نشرت في
اعلان
“لا شيء معقّم”، هكذا يصف الأطباء غرف الإنعاش في مستشفى الشفاء، حيث العدوى متفشية والرائحة الكريهة لا تُحتمل، والذباب لا يغيب. المرضى يتلوّون ألمًا على أسرّة معدنية في الممرات، بلا مسكنات، بلا كهرباء، بلا تهوية. وفي الخارج، أقارب يلوّحون بالكرتون لأحبائهم طريحي الفراش في قيظ لا يرحم.
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تلقّى مجمع الشفاء ضربات متتالية: قصف متكرر، غارتان، وحصار طويل. وفي آذار/ مارس 2024، عادت القوات الإسرائيلية لتقتحمه مجددًا، وزعمت مقتل نحو 200 مسلح، ما أشعل أيامًا من المعارك العنيفة.
داخل ما تبقّى من المستشفى، لا يزال طاقم طبي مرهق بإمكانات شبه معدومة يحاول إنقاذ الأرواح. بعض العمليات تُجرى في قسم الطوارئ، فيما يُترك بعض المصابين دون تدخل جراحي بسبب عدم توفّر أسرّة، إذ لا تزال ثلاث فقط من أصل 21 غرفة عمليات تعمل. أما الساحة الخارجية، فتحوّلت إلى مساحة مكتظة بالمرضى، محاطة بالركام، وأكوام الرمل التي خلّفتها القنابل والجرافات.
المستشفى لم يعد كما كان
عاد الدكتور جمال صالحة، جرّاح الأعصاب البالغ من العمر 27 عامًا، في كانون الثاني/ يناير إلى المستشفى، بعد تهجيره قسرًا إلى الجنوب. “هذه ذكرياتنا. كلها دُمّرت. الاحتلال دمّر كل شيء”، قال صالحة، الذي تدرّب في الشفاء وقرّر فيه تخصصه، وابتعد عنه 450 يومًا قبل أن يعود.
بعد تخرجه عام 2022، قرر هو وصديقه بلال التخصص في جراحة الأعصاب. بقي بلال في مدينة غزة، فقُتل بعد أسابيع من بدء الحرب. أما صالحة، فانتقل جنوبًا مع عائلته حين دخلت القوات الإسرائيلية شمال القطاع، وأكمل تدريبه في مستشفى آخر.
لم تمضِ أيام على خروجه حتى اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى للمرة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مدّعية أنه مركز قيادة لحماس، دون أن تقدم أدلة تُذكر.
الطب في عين العاصفة
بدأ مستشفى الشفاء كنقطة طبية صغيرة في قاعدة عسكرية بريطانية عام 1946، وتطوّر ليصبح مجمعًا بمساحة سبعة ملاعب كرة قدم، يضم أكبر مبنى لجراحة التخصصات في غزة. اليوم، بالكاد يتنفس.
عندما سُئلت الهيئة العسكرية الإسرائيلية (كوغات) عن نقص المعدات، تهرّبت من الإجابة، مكتفية بالقول إن الجيش يُمكّن استمرار عمل الخدمات الطبية عبر منظمات الإغاثة والمجتمع الدولي، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
في المقابل، يشير الطاقم الطبي إلى أن الاقتحامات أودت بحياة مرضى كان يمكن إنقاذهم.
وفي حين تُشير إسرائيل إلى أن المستشفيات تفقد حمايتها القانونية إذا استُخدمت عسكريًا، تنفي حماس ذلك. ورغم ما تدّعيه إسرائيل من التزام بحماية المدنيين وتسهيل الدعم الطبي، الواقع في مستشفى الشفاء يقول إن النظام الصحي لم يكن بمنأى عن الاستهداف والتدمير.