بقلم: يورونيوز
                    نشرت في                 
                •آخر تحديث
                                     
                                        
في الآونة الأخيرة، أثار هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نيجيريا، وتلويحه بعمل عسكري ولو بنشر قوات أمريكية على أراضيها، موجةَ استغراب. فمع أن الزعيم الجمهوري معروفٌ برفع سقف المطالب بدايةً لجَرِّ خصمه إلى طاولة المفاوضات، وهي مهارةٌ اكتسبها على الأرجح من طول باعه في تطوير العقارات، إلا أن للسياسة حساباتٍ أخرى.. فما سرُّ التحوُّل المفاجئ في البيت الأبيض تجاه أبوجا؟ ولماذا الآن؟
أفاد تقرير لشبكة “سي إن إن” أن اهتمام سيد البيت الأبيض بنيجيريا نشأ في لحظة عابرة، وتحديداً يوم جمعة، بينما كان في طريقه إلى فلوريدا، يتابع الأخبار على شبكة “فوكس نيوز”، فرأى تقريراً يُعْرَضُ عن استهداف المسيحيين على يد جماعات إسلامية في ذلك البلد الأفريقي.
وتنقل الشبكة عن مصادر أن الرئيس غضب “على الفور” من ذلك، وطلب الإحاطةَ أكثر بالموضوع. وبعد هبوط طائرته الرئاسية في ويست بالم بيتش بقليل، شرع في النشر على منصة “تروث سوشال”، فكتب: “المسيحية تواجه تهديدًا وجوديًا في نيجيريا. إذ يُقتل الآلاف من المسيحيين. والإسلاميون المتطرفون هم من يقفون وراء هذه المجازر الجماعية”، مضيفاً أن ذلك يرفع نيجيريا إلى مصاف “بلد ذي اهتمام خاص”، ضمن قائمة تشمل أيضًا روسيا والسعودية وإيران والصين.
بين حماية المسيحيين و”فن الصفقة”
وتبعاً للمصادر، فإن ترامب كان يُتابعُ من قبل أوضاع المسيحيين في نيجيريا، غير أن التقرير حَظِيَ بتركيزه الأكبر، فحمله اهتمامُه على الاتصال مباشرة بوزير الدفاع بيت هيغسيث، طالباً “الاستعداد لإجراءات محتملة”، مُحَذِّراً من أن الولايات المتحدة ستدخل نيجيريا “مسلحة حتى الأسنان” لحماية المسيحيين.
ويُضيف مصدر أن جانباً كبيراً من تهديده كان يستهدف جسَّ النبض، ومعرفة ردَّة فعل أبوجا على تصريحاته، في استراتيجية من طراز “فن الصفقة”. وقد حقق جزءٌ أساسي منها أثره المرجو: فأعمال الجماعات الإسلامية اكتسبت زخماً إعلامياً بفضل منشوراته.
لكن هل يواجه المسيحيون تهديدًا أمنيًا خاصًا في نيجيريا؟
تُعَدُّ نيجيريا رسميًا دولة علمانية، غير أن سكانها متناصفون تقريبًا بين المسلمين (53%) والمسيحيين (45%)، فيما يعتنق الباقون الديانات الأفريقية التقليدية.
ولقد حظيت أعمال العنف ضد المسيحيين باهتمام دولي واسع، وعُرِضَت في كثيرٍ من الأحيان بوصفها اضطهاداً دينياً، بيد أن معظم المحللين يُجمعون على أن الوضع أعقد من ذلك.
ففي أجزاء من وسط نيجيريا، تندلع اشتباكات دامية بين رعاة مسلمين رُحَّل ومجتمعات زراعية يغلب على أهلها المسيحيون، تعود جذورها إلى التنافس على الأراضي والمياه، لكنها تتفاقم بفعل الانقسامات الدينية والعرقية.
كما تشهد البلاد تزايداً في عمليات اختطاف الكهنة والقساوسة طلباً للفدية، نظراً لاعتبارهم شخصيات مؤثرة قادرة على جمع الأموال بسرعة من رعاياهم أو مؤسساتهم. ويرى بعض المحللين أن دوافع هذه الظاهرة مالية إجرامية أكثر منها دينية.
أما في شمال شرق البلاد، فتنشط جماعة بوكو حرام وفروعها، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP)، منذ عام 2009، مما أودى بحياة عشرات الآلاف وتسبب في تشريد الملايين.
وفي الشمال الغربي، تنشط عصابات إجرامية مسلحة — يُطلَق عليها غالباً “قطاع طرق” — تنفذ عمليات خطف جماعي وهجمات لا تميز بين المسلمين والمسيحيين. وقد امتد نطاق عمل هذه الجماعات إلى وسط نيجيريا، مستفيدة من تراخي سيطرة الدولة واحتدام المظالم المحلية.
وفي الجنوب الشرقي، يحاول انفصاليون إنشاء دولة بيافرا، وسط انتهاكات عنيفة تستهدف مؤسسات حكومية ومدنيين، يغلب على ضحاياها المسيحيون
ماذا فعل البنتاغون؟
صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي في بيانٍ للشبكة: ” أنه بتعليمات من الرئيس، تضع وزارة الدفاع خيارات لتحركات محتملة لوأد قتل المسيحيين في نيجيريا. وسيصدر أي إعلان من فم الرئيس مباشرة.”
كيف ردت الحكومة النيجيرية؟
نفت أبوجا الاتهامات، وأبدت رفضها القاطع لأي تدخل خارجي، مؤكدةً أن “السيادة الوطنية خط أحمر”، وأنها تحقق في الحوادث الأخيرة وتضرب على أيدي المتورطين فيها، كما التزمت بمواصلة جهودها في مكافحة التطرف، معربةً عن أملها في أن تبقى الولايات المتحدة حليفاً وفياً.
وذكرت وزارة الخارجية النيجيرية في بيان أن “الحكومة الفيدرالية ستواصل الدفاع عن جميع المواطنين، أياً كانت أعراقهم أو عقائدهم أو أديانهم. وكما هي الحال في أميركا، ليس أمام نيجيريا خيار سوى الاعتزاز بتنوعها باعتباره أعظم قوتها”.
ترامب يصعّد
رغم ذلك، ضاعف ترامب من حدة لهجته، مُثيراً – وفق مصادر – استغراب مسؤولين عسكريين أمريكيين، حين لم يستبعد نشر قوات أمريكية على الأرض.
ورداً على ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية إن الولايات المتحدة لا يمكنها تنفيذ أي عملية عسكرية داخل نيجيريا من جانب واحد، وإن التهديد يستند إلى تقارير مضللة، ويبدو جزءاً من “أسلوب ترامب القائم على استخدام التهديد لإكراه الخصم على الجلوس إلى طاولة الحوار”.
وبالتوازي مع ذلك، تم استدعاء أفراد من قيادة أفريقيا في الولايات المتحدة (AFRICOM) إلى مقر القيادة على عجل خلال عطلة نهاية الأسبوع إثر منشور ترامب، فيما قال هيغسيث إن البنتاغون “يستعد للعمل”، مشيراً أحد المصادر إلى أن البنتاغون طالب بتعزيز وضع خطط الطوارئ المختلفة.
الموضوع ليس جديدًا
تنقل الشبكة عن المتحدث الرئاسي النيجيري بايو أونانوجا قوله إنه بعد أن أمر الرئيس الأمريكي البنتاغون بالاستعداد لتحركات عسكرية محتملة: “نحن في ذهول من أن الرئيس ترامب يُفكِّر في غزو بلادنا.” ومع ذلك، أثارت الأوضاع في نيجيريا قلقاً متزايداً في الأوساط المحافظة الأمريكية. وكان ترامب قد تطرق إلى هذا الملف بنفسه خلال اجتماع في عامه الرئاسي الأول مع الرئيس السابق محمد بخاري في البيت الأبيض عام 2018.
حيث قال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك آنذاك: “نحن قلقون للغاية من العنف الديني في نيجيريا، وخاصة حرق الكنائس وما يتعرض له المسيحيون من قتل واضطهاد. إنها مأساة.”
أما بخاري فقد أوضح أنه أفهم ترامب أن الوضع الأمني في نيجيريا أكثر تعقيداً من أن يُختزل في اضطهاد ديني بحت.
حسابات أمريكية داخلية
يعتقد مراقبون أن ما يجري ليس سوى مناورة تتضمن أبعاداً انتخابية داخلية، إذ يسعى ترامب إلى توطيد دعم قاعدته الإنجيلية المحافظة، التي كانت عماد تأييده في حملاته الرئاسية، بعد أن وعدها في الانتخابات السابقة بمحاربة التحيّز ضد المسيحيين.

		