بقلم: يورونيوز
نشرت في
يستحوذ لقاء الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض اليوم الاثنين على اهتمام بالغ، باعتباره اليوم الذي سيتوّج عامًا استثنائيًا للرجلالذي استطاع الخروج من عزلة دولية ووصمة ‘الإرهاب’، ويصبح أول رئيس سوري يزور واشنطن منذ استقلال البلاد عام 1946، ليمشي على السجادة الحمراء في أهم مراكز اتخاذ القرار في العالم، جنبًا إلى جنب مع ترامب، صانع الصفقات و’منهي الحروب’ كما يصف نفسه.
ويأتي لقاء الزعيمين بعد ستة أشهر من اجتماعهما الأول في السعودية، حين وصف الرئيس الجمهوري الشرع، البالغ من العمر 42 عامًا، بـ”الوسيم”، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان واشنطن أن الشرع، العضو السابق في تنظيم القاعدة، لم يعد مصنّفًا كـ”إرهابي عالمي محدّد بشكل خاص”.
كما تأتي هذه الزيارة بعد أن ألقى الشرع في أيلول/سبتمبر الماضي خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ليكون أول رئيس سوري منذ عقود يعتلي منبر المنظمة الدولية.
ولدى وصوله إلى واشنطن، التقى الشرع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، لبحث سبل دعم سوريا، كما اجتمع بممثلين عن منظمات سورية.
أبعاد الزيارة
يرى مدير برنامج الولايات المتحدة في “مجموعة الأزمات الدولية”، مايكل حنا، أن زيارة الشرع إلى البيت الأبيض “تحمل رمزية كبيرة للزعيم الجديد، الذي يخطو خطوة جديدة في تحوّله المذهل من قائدٍ متشدّد إلى رجل دولة عالمي”.
ويعتبر حنا، في حديث لفرانس برس، أن استقباله في واشنطن لا يقتصر على كونه انفتاحًا سياسيًا، بل يهدف أيضًا إلى الحدّ من احتمال استعادة إيران وروسيا نفوذهما الاستراتيجي داخل سوريا. وهكذا، فإن الرجل الذي كان يومًا ما عدوًا للولايات المتحدة، يُحتفى به اليوم كحليفٍ محتمل.
ماذا يُنتظر من اللقاء؟
الملف الأمني: من المرجّح أن يتصدر الملف الأمني جدول المحادثات، إذ تتوسط واشنطن لمباحثات بين سوريا وإسرائيل حول اتفاق أمني محتمل، فيما ذكرت وكالة “رويترز” أن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء وجودٍ عسكري في قاعدة جوية قرب دمشق.
كما يُتوقّع أن تُعلن سوريا رسميًا انضمامها إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش”، خلال لقاء البيت الأبيض.
العقوبات: قبل أيام من اللقاء، قال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض إن “الكثير من التقدّم أُحرز بشأن سوريا”، مضيفًا: “أعتقد أن الشرع يقوم بعملٍ جيد جدًا. إنها منطقة صعبة، وهو رجل قوي، وقد انسجمت معه جيدًا”.
وكان سيد البيت الأبيض قد أعلن، بعد لقائه الشرع في الرياض، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه سيرفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا.
لكنّ العقوبات المفروضة على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والمعروفة باسم “قانون قيصر“، لا يمكن رفعها إلا بقرار من الكونغرس، في حين قد يشكّل الإغلاق الحكومي المستمر عقبة أمام ذلك.
وفي المقابل، يدور في الكونغرس نقاش حول الإلغاء الكامل للعقوبات، حيث عبّر النائب الجمهوري برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عن تحفظه على الإلغاء الكامل، بينما دعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام – المقرّب من ترامب – إلى ربطه بجملة من الشروط، منها ضمان أمن وحقوق الأقليات الدينية والإثنية، والحفاظ على علاقات سلمية مع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، وإخراج المقاتلين الأجانب من مؤسسات الدولة والأمن.
وتأتي هذه النقاشات بعد موجاتٍ من العنف الطائفي شهدتها سوريا، قُتل خلالها مئات المدنيين من طائفتي العلويين والدروز على أيدي مسلحين سُنّة موالين للحكومة. وقد وعد الشرع بمحاسبة المسؤولين، إلا أن الأقليات ما زالت متوجسة.
وفي هذا السياق، أرسلت منظمة “أنقذوا المسيحيين المضطهدين” رسالة موقّعة من مئة زعيم ديني أميركي إلى ترامب، طالبته فيها بالتصدي لما وصفته بـ”مجازر الأقليات” في سوريا، وبالضغط على الشرع لفتح ممرّ إنساني من مرتفعات الجولان الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية إلى منطقة السويداء ذات الغالبية الدرزية في الجنوب.
ويُعتقد أن رفع العقوبات بالكامل قد يشجّع الدول المقربة من سوريا على المساهمة في عملية إعمارها. وقد قدّر البنك الدولي أن هذه العملية ستتطلب أكثر من 200 مليار دولار. إلا أن دولًا خليجية، وعلى رأسها قطر، ما تزال مترددة بسبب العقوبات.
تحوّل دراماتيكي في شخصية الجولاني
بعيدًا عن أبعاد اللقاء السياسية، يركّز كثير من المحللين والصحافة العالمية على شخصية الشرع نفسه، الذي خاض مسارًا دراماتيكيًا يشبه تحوّل بلاده.
فالرجل الذي يلتقي ترامب اليوم في البيت الأبيض، كان قد انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق إبّان الغزو الأميركي عام 2003، وقضى سنواتٍ في سجنٍ أميركي هناك قبل أن يعود إلى سوريا لينخرط في التمرّد ضد نظام الأسد.
وفي عام 2013، صنّفته الولايات المتحدة إرهابيًا بسبب صلاته بالقاعدة. لكنه أعلن عام 2016 قطع علاقته بالتنظيم، وكرّس نفوذه في شمال غرب البلاد مؤسسًا النصرة.
واليوم، تستقبله واشنطن بحفاوة، بعد أن رفعت المكافأة التي بلغت 10 ملايين دولار عن رأسه أو رأس “أبو محمد الجولاني”. وفي الأسبوع الماضي، أزال مجلس الأمن الدولي العقوبات المفروضة عليه وعلى وزير داخليته أنس خطاب.

