واشنطن ـ عرفت علاقات الولايات المتحدة وحزب الله اللبناني العداء مع تفجير السفارة الأميركية وثكنات قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983، التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 300 أميركي، وألقي باللوم فيها على حزب الله.
ومنذ تصنيف الولايات المتحدة لحزب الله منظمة إرهابية أجنبية عام 1997، تذبذبت العلاقات اللبنانية الأميركية صعودا وهبوطا.
ويشير تقرير نشرته -قبل نهاية يوليو/تموز الماضي- خدمة أبحاث الكونغرس، وهي الجهة البحثية التي تمد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بدراسات وتوصيات وتفاصيل القضايا المختلفة التي ينظرونها، إلى أن “الحكومة الإيرانية تزود حزب الله بمعظم تمويله وتدريبه وأسلحته، فضلا عن المساعدات السياسية والدبلوماسية والنقدية والتنظيمية”، ويضيف أن “لدى حزب الله ترسانة تقدر بـ120 إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة”.
من هنا لم يفاجأ المراقبون الأميركيون ببيانات البيت الأبيض الداعمة لعملية اغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت مساء أمس الأول الجمعة.
في بيان صدر من البيت الأبيض السبت، لم يلتزم الرئيس جو بايدن بموقف حيادي تجاه عملية الاغتيال، حيث عبّر عن “ارتياحه” لاغتيال نصر الله، مشيرا إلى أن حزب الله مسؤول عن قتل مئات الأميركيين على مدى عقود.
مطالبة بالحذر
وطالب بايدن الأميركيين، خاصة الموجودين في الشرق الأوسط بالحذر، وقال إنه أمر القوات الأميركية في المنطقة بتعزيز “وضعها الدفاعي” لردع العدوان والحد من خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا، مضيفا “أن مقتل نصر الله بغارة جوية إسرائيلية هي قسط من العدالة يقدم لضحاياه العديدين، بما في ذلك الآلاف من الأميركيين والإسرائيليين والمدنيين اللبنانيين”.
وفي بيان خاص بها، كررت نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس، موافقة بايدن ودعمه للهجمات التي اغتالت زعيم حزب الله.
وقالت هاريس “كانت يدا حسن نصر الله ملطخة بالدماء الأميركية، وعلى مدى عقود من الزمان، أدت قيادته لحزب الله إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط وأدت إلى مقتل عدد لا يحصى من الأبرياء في لبنان وإسرائيل وسوريا وحول العالم، واليوم يتمتع ضحايا حزب الله بقدر من العدالة”.
ثم أضافت هاريس “لدي التزام ثابت بأمن إسرائيل، وسأدعم دائما حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران”.
ضبط النفس
وفي حديث للجزيرة نت، قال أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ديفيد دي روش “لقد قُتل نصر الله وسيتم استبداله، لكن ما تعلمناه من مقتل قاسم سليماني وما بعده هو أن القيادة مهمة، وسيكون من الصعب على حزب الله التعافي من غياب نصر الله”.
وأضاف أن حسن نصر الله كان يتمتع بمهارات اتصال كبيرة، وخلفية دينية ومعرفية واسعة، كما أنه كان نموذجا يحتذى به من أنصاره، وكذلك تمتع بروح الدعابة، وسيكون من الصعب وجود خليفة له لديه الإمكانيات نفسها.
واستغرب الخبير العسكري الأميركي ممارسة حزب الله لضبط النفس بعدم شن ضربات صاروخية الآن على داخل إسرائيل، وقال إنه من الصعب معرفة سبب قيامه بذلك، مضيفا “من المنطقي أكثر أن نفترض أنه لم يعد لديهم القدرة على شن ضربات داخل إسرائيل، ويكمن الخطر في أن حزب الله لديه الآن حافزا كبيرا لشن بعض الضربات ضد المصالح الإسرائيلية لإثبات وجوده”.
فرصة
من ناحية أخرى، انتشى أنصار إسرائيل في المراكز البحثية اليمينية القريبة من حزب الليكود الحاكم في إسرائيل، وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز إنه “على مدى 9 أيام فقط، قضت إسرائيل على قيادة حزب الله، وبلغت ذروتها في اغتيال حسن نصر الله”.
جدير بالذكر أن واشنطن تدعم مطالب إسرائيل بإبعاد حزب الله عن الحدود حتى يتمكن نحو 60 ألف شخص تم إجلاؤهم من العودة إلى شمال إسرائيل، وقد سعى المسؤولون الأميركيون للمساعدة في التوسط في ترتيب لنزع فتيل التوترات والسماح بعودة النازحين في كل من إسرائيل ولبنان، إلا أن هذه الجهود فشلت على صخرة اغتيال نصر الله.
ويبدو أن المسؤولين الأميركيين ما زالوا يتوقعون المساعدة في الدفاع عن إسرائيل في حالة نشوب صراع واسع النطاق، وتدخل إيران عسكريا ضد إسرائيل انتقاما لاغتيالها إسماعيل هنية زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في طهران قبل شهرين، واغتيالها نصر الله الجمعة في بيروت.
وأشار نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جوناثان شانزر إلى “إمكانية تغيير اغتيال نصر الله قواعد اللعبة إذا عمل البيت الأبيض وحكومة نتنياهو معا لخلق الضغط والنفوذ على النظام الإيراني ومحوره ووكلائه، إذا لم تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل معا لاستخدام هذا التحول الهائل في الزخم، فستكون فرصة ضائعة”.