إذا اتضح أن أيا من الحلفاء الغربيين متورط في تفجيرات نورد ستريم فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة بين أعضاء التحالف
أكد رئيس الوفد الروسي إلى محادثات الأمن العسكري والحد من التسلح في فيينا، قسطنطين غافريلوف، أن روسيا لم تتلقَّ بعد من الولايات المتحدة أي توضيحات بشأن التفجيرات التي استهدفت العام الماضي خطي أنابيب “نورد ستريم”، مشيرا إلى أن موسكو لم تعد تنتظر ردا من واشنطن.
وذكر تقرير نشرته صحيفة إزفيستيا الروسية، أنه في أوائل فبراير/شباط، نشر الصحفي سيمور هيرش مقالا اتهم فيه الولايات المتحدة بالوقوف وراء التفجيرين اللذين استهدفا خطي أنابيب الغاز “نورد ستريم1″ و”نورد ستريم2” في 26 سبتمبر/أيلول 2022 بدعم من النرويج تحت غطاء مناورات حلف شمال الأطلسي في البلقان. وبعد نشر هذا التحقيق، طلبت روسيا توضيحا من الولايات المتحدة بشأن الحادثة.
لكن البنتاغون -يوضح التقرير- صرح بأن الولايات المتحدة لا علاقة لها بتفجيرات نورد ستريم. ووصفت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون تحقيق هيرش بأنه “من نسج الخيال”، بينما اعتبرت المفوضية الأوروبية ما توصّل إليه التحقيق مجرّد تكهنات.
وفي نهاية مارس/آذار، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يتفق تماما مع استنتاجات سيمور هيرش بشأن تورط وكالات المخابرات الأميركية في تخريب خطي أنابيب “نورد ستريم”.
التحقيق
ونقلت الصحيفة عن أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، قوله إنه كان واضحًا منذ البداية أن إجراء تحقيق موضوعي في هذه الحادثة كان مستحيلا نظرا لعدم إشراك ممثلي روسيا فيه.
وأضاف أن الولايات المتحدة لم تتدخل في هذا التحقيق ومن غير المرجح أن تنخرط فيه، لأنها بالفعل تنسّق مع السويد والدانمارك وألمانيا.
وصرح رئيس الرابطة الروسية لدراسات البلطيق نيكولاي ميزيفيتش بأنه سيكون من المستحيل إجراء تحقيق موضوعي قبل نهاية “العملية الخاصة” في أوكرانيا، مشيرا إلى أن هذه الحادثة أثارت شكوكا وارتباكا حتى بين معارضي روسيا في دوائر حلف الناتو.
لماذا التأخر؟
وأوضح التقرير أن الدانمارك والسويد وألمانيا شرعت في التحقيقات مباشرة بعد الحادث، وأرادت في البداية إنشاء مجموعة تحقيق مشتركة، لكنها تخلت عن هذه الفكرة لاحقا، علما بأنها لم تسمح لممثلين من روسيا بالمشاركة في التحقيق رغم الطلبات المتكررة من مكتب المدعي العام ووزارة الخارجية وجهاز الأمن الفدرالي الروسي.
وكشفت الصحيفة أن روسيا والصين اقترحتا على مجلس الأمن الدولي إجراء تحقيق دولي مستقل في الهجوم الذي استهدف “نورد ستريم” لكن مقترحهما قوبل بالرفض في أواخر مارس/آذار الماضي.
وفي الفترة نفسها، صرّحت السويد بأنها لم تتوصل إلى دليل يوضح الطرف المسؤول عن تخريب خطي الأنابيب، مشيرة إلى أن تحديد المسؤولين عن التخريب لن يكون سهلا.
اختلاف الروايات
وبحسب التقرير، فبينما لا تزال التحقيقات في ألمانيا والدانمارك والسويد جارية، ينشر الصحفيون في المنطقة روايات مختلفة عن الانفجارات استنادا على بيانات تحركات السفن في هذه المنطقة في نهاية سبتمبر/أيلول.
ففي نهاية أبريل/نيسان -مثلا- أفادت 4 مؤسسات إعلامية إسكندنافية بأن سفنا روسية قادرة على إجراء عمليات تحت الماء رُصدت بقرب الموقع الذي حدثت فيه انفجارات خطي أنابيب الغاز نورد ستريم، حيث أبحرت عبر مياه بحر الشمال وبحر البلطيق مع إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال.
وقبل 5 أيام من الحادثة، أعلنت وزارة الدفاع الدانماركية عن رصد سفينة روسية بالقرب من موقع الانفجار. وأبلغت المجلة الألمانية “تي أونلاين” أن السفينة الروسية “إس إس-750” قد شوهدت في مياه جزيرة بورنهولم حيث وقع الانفجار لاحقًا وربما تحمل معدات ولا سيما غواصة صغيرة للعمليات الخاصة في قاع البحر.
لكن المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت إنه في الفترة من 19 إلى 24 سبتمبر/أيلول 2022 نفذ أسطول البلطيق “إجراءات عملية في مناطق التدريب البحرية لبحر البلطيق كجزء من تمرين مخطط له”. وكانت المناورة في الأجزاء الوسطى والشرقية من المنطقة البحرية المعنيّة، مؤكدة أنها كانت بعيدة عن جزيرة بورنهولم.
اتهامات أخرى
ونقلت الصحيفة الروسية أن نيويورك تايمز الأميركية، سبق وتحدثت عن أن تحقيقا أظهر أن السفينة الحربية الدانماركية “نيمفان” اتجهت إلى نفس المنطقة التي كانت فيها السفن الروسية بعد ساعات من اختفائها، ما يعني أنها أوقفت أيضًا أجهزة الإرسال الخاصة بها.
وفي الفترة نفسها، حلّقت طائرة مقاتلة تابعة للقوات الجوية السويدية فوق المنطقة بشكل غير عادي تلتها سفينة بحرية سويدية بقيت بالقرب من الموقع الذي حدث فيه انفجار خط أنابيب نورد ستريم1.
وأضافت إزفيستيا الروسية أن نيويورك تايمز أكدت أنه قد لا يكون من مصلحة الدول التي تجري التحقيق مشاركة المعلومات التي توصلت إليها لأن “الكشف عنها قد تنجر عنه عواقب غير متوقعة”.
حيث إنه إذا أفضت نتيجة التحقيق إلى أن روسيا هي التي تقف وراء الهجوم فإن ذلك يعني أن موسكو “نجحت في تخريب البنية التحتية الإستراتيجية للفناء الخلفي لأوروبا الغربية” ما يقتضي ردًا من الناتو. أما إذا تأكد أن أوكرانيا هي المسؤولة عن الهجوم فقد “يثير ذلك نقاشا داخليا في أوروبا حول دعم جارتهم الشرقية”.
بينما إذا اتضح أن أيا من الحلفاء الغربيين متورط في تفجيرات نورد ستريم فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة بين أعضاء التحالف الغربي، في وقت يكافح فيه الجميع للحفاظ على جبهة موحدة.