واشنطن- مع دخول القتال أسبوعه الثالث بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أمرا تنفيذيا يوسّع سلطات بلاده في فرض عقوبات على الأفراد المسؤولين عن تهديد السلام والأمن والاستقرار في السودان، وتقويض التحول الديمقراطي باستخدام العنف ضد المدنيين أو ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ولم يدفع تكرار الاتفاق بين الطرفين -بواسطة أطراف خارجية- لإلزامهما بتثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، حيث استمر القتال دون توقف، وهو ما يُنظر إليه بكثير من القلق في العديد من العواصم الإقليمية والخارجية، وعلى رأسها واشنطن.
وتلعب الولايات المتحدة دورا متزايدا في القارة الأفريقية لأسباب مختلفة، إلا أن اهتمامها بالسودان وما يجري فيه يمثل علامة فارقة أخذا في الاعتبار الطبيعة الشائكة لعلاقات واشنطن بالخرطوم على مدى العقود الأخيرة.
وقبل إصدار الأمر التنفيذي المشار إليه، أكد بيان للرئيس بايدن وقوف الولايات المتحدة إلى جانب مطالب شعب السودان الواضحة في حكومة مدنية والانتقال إلى الديمقراطية.
ولإلقاء الضوء على رؤية واشنطن للأزمة السودانية ودورها في محاولات العمل على وقف القتال واستعادة المسار الديمقراطي التفاوضي، حاورت الجزيرة نت البروفيسور السوداني الأميركي بكري الجاك المدني أستاذ السياسات العامة والإدارة بجامعة لونغ آيلاند في مدينة نيويورك.
-
بدايةً، ما تقديرك للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بايدن لفرض عقوبات على شخصيات سودانية مزعزعة للاستقرار، واعتباره العنف خيانة لمطالب الشعب السوداني؟
موقف الرئيس بايدن مهم وضروري، ويبعث رسالة بأن إدارته ستفعل ما هو أكثر من الشجب والإدانة والرجاء، وذلك أمر مطلوب لأنه من غير التلويح بطرق للمحاسبة والعقاب من الصعب التأثير على الأطراف المتحاربة.
-
ولماذا تهتم واشنطن بالأزمة السودانية؟
اهتمت واشنطن بالشأن السوداني قبل وقوع الأحداث الأخيرة، وكانت طرفا قريبا من عملية المفاوضات بين مختلف الأطراف السودانية منذ انهيار نظام البشير في 2019، حيث تغيّر الموقف الأميركي كثيرا تجاه السودان وأصبح إيجابيا، ورُفع اسم السودان من قائمة الدول “الداعمة للإرهاب” بالوصف الأميركي، وهو ما سمح بتأسيس علاقات بين الدولتين بعد قطيعة استمرت أكثر من ربع قرن.
وتُعد زيارة حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، لموسكو في فبراير/شباط 2022 نقطة تحول أساسية في رؤية واشنطن لأهمية السودان. وارتبط ذلك بالمخاوف الأميركية من لعب مجموعة “فاغنر” العسكرية دورا في السودان، بعدما امتد دورها بالفعل للعديد من الدول الأفريقية، خاصة دول الساحل مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسط والنيجر.
وأدركت واشنطن حينذاك أهمية السودان إستراتيجيا، خاصة مع سعي روسيا للحصول على قاعدة بحرية عسكرية في بورتسودان. وزادت أهمية هذا البلد مع زيادة الاهتمام الأميركي العام بشأن أمن البحر الأحمر، أحد أهم شرايين التجارة الدولية.
من هنا، أقدمت واشنطن للمرة الأولى على إرسال جون غودتري سفيرا معتمدا لها في الخرطوم في أغسطس/آب 2022، أي في ظل “حكومة انقلابية”، وهو ما عكس إدراك واشنطن لأهمية السودان المتزايدة وضرورة وجود علاقات قوية به.
وتهتم الولايات المتحدة بمنطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي مؤخرا، حيث تعتبرها منطقة مرشحة للانفجار بسبب تعدد الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية في العديد من دولها، مثل ما جرى في إثيوبيا على سبيل المثال.
-
ما رؤية واشنطن العامة لما يجري في السودان؟
منذ انهيار نظام البشير، تبنّت واشنطن رؤية مثالية تقوم على دعم مسار التفاوض بين القوى المدنية والمؤسسة العسكرية، للوصول لاتفاق يتولى بمقتضاه المدنيون الحكم بعد عقد انتخابات عامة، ويخرج على إثرها الجيش والمليشيات المسلحة من القيادة.
وأشرفت وزارة الخارجية على الملف داخل إدارة جو بايدن، لكن للأسف كانت الخارجية تنظر للوضع في السودان نظرة ساذجة، إذ آمنت أن العسكريين سيتركون الحكم بسهولة ويسر. ودفعت واشنطن المفاوضات وصولا لاتفاقية الإطار، ولذلك فوجئت باندلاع الصراع المسلح بين طرفي المكون العسكري.
-
وما تقييمك لموقف واشنطن منذ بدء القتال في السودان؟
الموقف الأميركي إيجابي للغاية، فواشنطن تضغط وتعمل مع أطراف إقليمية حليفة لها، مثل السعودية والإمارات وإلى حد ما مصر، لدفع الأطراف السودانية لوقف القتال كخطوة مبدئية للتعامل مع الوضع الأمني الهش في السودان.
وأعتقد أن نجاح واشنطن في مساعدة الطرفين المتحاربين في التوصل لاتفاق على هُدن تسمح بوجود ممرات إنسانية وإغاثية آمنة، هو أمر جيد على الرغم من الخروق المتكررة لتلك الهدن.
وتحدث وزير الخارجية بلينكن مع البرهان وحميدتي، ودعاهما لوقف القتال، وحذر من مغبة الاستمرار فيه.
-
هل تملك واشنطن أي أدوات للتأثير والضغط على الأطراف المتقاتلة في السودان؟
نعم. فواشنطن لديها أدوات ضغط ناعمة مهمة، مثل المساعدات المالية والاقتصادية، ومنح الشرعية الدولية بما لها من نفوذ في المنظمات الدولية المختلفة. كما أن لواشنطن يدا غليظة في الوقت ذاته، عن طريق العقوبات المختلفة التي تستطيع فرضها سواء على أشخاص أو كيانات بعينها.
من ناحية أخرى، تملك واشنطن نفوذا وعلاقات قوية مع العديد من الأطراف الإقليمية التي لها مصالح مباشرة وأدوار واضحة في دعم أطراف الصراع داخل السودان.
-
كيف ترى اهتمام وتناول الإعلام الأميركي للأزمة في السودان؟
هناك اهتمام كبير وغير مسبوق من الإعلام الأميركي المكتوب والمرئي بالشأن السوداني حاليا، ونجد الكثير من التغطية على صفحات الصحف الكبرى كواشنطن بوست ونيويورك تايمز، وكذلك على شاشة سي إن إن وغيرها.
تقليديا، لم يكترث الإعلام الأميركي بالسودان خلال فترات الانتقال الديمقراطي وما رافقها من تطورات. وعلى سبيل المثال، لم يغطّ الإعلام الأميركي مظاهرات ضخمة خرجت في مدنية نيويورك للاحتجاج على “الانقلاب” العسكري على الحكومة المدنية في أغسطس/آب 2021.
إلا أنه عندما يرتبط الأمر بحرب وقتلى ومصابين ولاجئين -كما هي الحال في الأزمة- فالإعلام يهتم بشدة، أضف إلى ذلك وجود 16 ألف أميركي في السودان في هذه الظروف المأساوية.
-
ما رؤيتك الشخصية لحل الأزمة في السودان؟
اعتقد أن هناك خطأ جوهريا في النظر لعملية الانتقال الديمقراطي، سمح باعتقاد الكثير من القوى السياسية وحتى الولايات المتحدة بإمكانية تناول معضلة الإصلاح الأمني والعسكري لاحقا وبعد سنوات في إطار عملية الانتقال الديمقراطي الأوسع.
لا شك أن الأزمة في السودان شديدة التعقيد، ومع ذلك يجب في البداية وقف القتال فورا ثم استعادة مسار البناء الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية بناء على تصور دستور المحامين.
وعلى الأطراف المتحاربة العودة لما قبل 15 أبريل/نيسان (تاريخ بدء الاقتتال بين الجيش والدعم السريع)، والبدء بالإصلاح الأمني والعسكري وليس الانتهاء به. ويغيب عن الهدنات التي يتم الإعلان عنها حتى الآن وجود أي آلية مستقلة لمراقبة وقف إطلاق النار.
-
ما موقف سودانيي أميركا من الاقتتال في بلادهم ومن طرفي النزاع؟
بصفة عامة، يعكس سودانيو أميركا كل ألوان الطيف السوداني. بالطبع لا يريد أحد استمرار القتال وما يترتب عليه من مآسٍ إنسانية مختلفة.
وتنشط الجالية على عدة صعد لدعم الشعب السوداني، وهناك جمعية الأطباء السودانيين في أميركا التي تنشط بشكل كبير في المجال الصحي والعلاجي، وكذلك جمعيات مهنية أخرى تقوم بجهود في نفس الاتجاه. وهناك مساع مختلفة لإيصال وجهات نظر الجالية إلى الإدارة الأميركية، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند تناول الشأن السوداني.
الغالبية العظمي منهم تريد وقفا فوريا للقتال، وبدء التفاوض على عودة العسكريين إلى ثكناتهم والابتعاد عن الشأن السياسي، وترك الحكم للقوى المدنية.