مراسلو الجزيرة نت
لندن- حالة من الاستنفار العام تعيشها بريطانيا عامة، ولندن خصوصا، تحضيرا ليوم مهم في تاريخ البلاد غدا السبت السادس من مايو/أيار، الذي سيشهد تتويج الملك تشارلز الثالث، في حفل تقول كل المؤشرات إنه سيكون تاريخيا، كما كانت مراسيم دفن الملكة إليزابيث الثانية.
وتكفي جولة وسط العاصمة لندن، وتحديدا بالقرب من قصر باكنغهام ومحيط كنيسة “وستمنستر” التي ستشهد مراسيم تتويج الملك؛ للوقوف على حجم التعبئة والتجهيزات الضخمة تحضيرا ليوم الحفل، الذي تشرف عليه لجنة أطلق عليها اسم لجنة “الجرم السماوي الذهبي” (The Golden Orb)، وهو الاسم السري لعملية تتويج الملك تشارلز، وكان التحضير لها يتم منذ سنوات في سرية تامة قبل أن يتم الكشف عن اسمها مؤخرا.
ويظهر من حجم الأموال المخصصة للحفل ضخامة الحدث، حيث تتحدث تقارير إعلامية عن تجاوز تكاليف يوم التتويج أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني، وهو رقم أثار الكثير من الجدل في بريطانيا، علما أن كلفة تتويج الملكة إليزابيث الثانية بلغت سنة 1953 حوالي 1.5 مليون جنيه إسترليني وهو ما يعادل حاليا 50 مليون جنيه إسترليني.
ويبقى التحدي الأمني من أكبر التحديات في مثل هذه الأحداث الكبرى، ولهذا أعلنت الشرطة البريطانية تخصيص عشرات الآلاف من رجال الشرطة والمخابرات وكاميرات المراقبة الأكثر تطورا لمتابعة الحدث، ولعلها هذه من المرات النادرة التي تصدر فيها الشرطة تحذيرا شديدة اللهجة للعموم تخبر فيه بأنها لن تتساهل أبدا مع أية محاولة لخرق الإجراءات أو “البروتوكول” الأمني يوم الاحتفال.
انتظار في الخيام
بمجرد الوصول إلى شارع “ذا مول” (The Mall) الممتد على طول كيلومتر أمام قصر باكنغهام، تستقبلك خيام منصوبة على جانبيه ومرفوع عليها أعلام المملكة المتحدة وصور الملك تشارلز الثالث والملكة إليزابيث الثانية، فضلا عن أعلام دول أخرى تابعة لدول الكومنولث.
ولعل أكثر ما يثير الدهشة وجود مواطنين قادمين من دول أخرى نصبوا خيامهم على جانب الشارع منذ أيام حتى تتسنى لهم الفرصة ليكونوا في الصفوف الأمامية لمشاهدة كل العروض التي سيشهدها حفل التتويج، ومن هؤلاء من قضى حوالي الأسبوع وهو ينام في هذه الخيمة في انتظار اليوم الموعود.
ومن بين هؤلاء أسرة أميركية، أحاطت خيامها بالأعلام الأميركية، يقول سام وهو رب الأسرة والذي حضر رفقة زوجته وأبنائه “قدمنا من الولايات المتحدة وتحديدا من واشنطن لحضور حفل التتويج”، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أنه وصل قبل أسبوع من حفل التتويج “وخططت أنا وأسرتي لنصب خيامنا بجانب القصر وكأننا في رحلة تخييم ومن حسن الحظ أن الطقس مساعد والأجواء أكثر من رائعة”.
أما عن سبب تجشّم عناء السفر من الولايات المتحدة إلى بريطانيا والبقاء في خيام لمدة أسبوع، فيقول سام “أولا نحن نحب العائلة المالكة البريطانية وفي أميركا هناك تقدير كبير لهذه العائلة. وثانيا لأنه حدث تاريخي، ربما لن يتكرر إلا بعد سنوات طويلة، ولهذا لم أشأ أن أضيع الفرصة وأندم عليها لأنني مستمتع جدا بالأمر”.
وبالانتقال بين هذه الخيام التي اجتهد أصحابها في تزيينها، فإن السمة الغالبة عليهم أنهم من كبار السن ومن المتقاعدين، الذين يصفون أنفسهم بأنهم الأكثر ولاءً للملكية في بريطانيا مقارنة مع جيل الشباب.
تقول آن وهي سيدة في عقدها السابع قادمة من مدينة مانشستر وقد اختارت رفقة صديقاتها نصب خيمة في محيط القصر في انتظار يوم التتويج. “نحن جيل الملكة إليزابيث، عشنا العصر الذهبي للملكية في بريطانيا، ونقدر الدور الذي قامت به من أجل الحفاظ على وحدة البلاد، وأعطت صورة مشرقة عن المملكة المتحدة”.
وبكثير من الفخر تتحدث آن، عن الملكية في بلادها “إنها أعرق ملكية في العالم وكان لها دور في الحفاظ على الديمقراطية في البلاد، ولهذا فحضورنا هنا هو للتعبير عن فخرنا بهذه الأسرة وللتشبث بتاريخنا الذي ينتقل من ملك إلى آخر”، قبل أن تشير بإصبعها إلى الخيمة المجاورة، “انظر مثلا إلى هؤلاء لقد قدموا من كندا من أجل حضور حفل التتويج، أليس هذا أمرا يبعث على الفخر؟”.
الأمن في كل مكان
قبل الاقتراب من قصر باكنغهام أو محيط كنيسة “وستمنستر”، تستقبل الواصلين العشرات من الحواجز الحديدية ورجال الشرطة والمخابرات والأمن الخاص المنتشرين في مكان. ولا عجب أن وزارة الداخلية قالت إنها خصصت 29 ألف عنصر من أجل تأمين حفل التتويج مع خطط صارمة.
ولكن ما يؤرق المسؤولين الأمنيين هو أنصار حركة “لستَ مَلكي” الذين عادوا للأضواء منذ تولي الملك تشارلز الثالث للحكم، ولهذا فقد أعلنت وزارة الداخلية أنها لن تتساهل مع أية مظاهرة أو محاولة للاحتجاج خلال يوم التتويج.
كما أعلنت الشرطة البريطانية أنها وضعت أحدث كاميرات التعرف على الوجوه لمتابعة أي شخص “يتورط” في أي شكل من أشكال الاحتجاج ضد الملك في يوم تتويجه.