القدس المحتلة- عكس قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منع وزير الأمن يوآف غالانت، من السفر إلى واشنطن لعقد مشاورات أمنية مع الإدارة الأميركية، عمق الخلافات الداخلية في حزب الليكود، وعدم استقرار الائتلاف الحكومي.
ويأتي قرار نتنياهو واحتدام الصراع الخفي داخل الليكود في ظل الانتقادات التي أطلقها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ضد نتنياهو وسياسة الرد التي تتبعها الحكومة تجاه الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة.
والتزم غالانت الصمت والامتناع عن التعقيب على قرار نتنياهو، لتجنب احتدام التوتر والصراعات داخل حزب الليكود الذي تظهر استطلاعات الرأي تراجع قوته البرلمانية، لكن بن غفير الذي يترأس حزب “عظمة يهودية” صعد الأزمة بمقاطعته جلسات الكنيست، وعدم التصويت إلى جانب الائتلاف الحكومي على مشاريع القوانين.
ورفع بن غفير سقف مطالبه من نتنياهو، مشترطا العودة للتصويت بالكنيست مع الائتلاف الحكومي بالاستجابة لمطالبه بتشديد الإجراءات ضد الأسرى، والعودة لسياسات الاغتيالات لقيادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وشن عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة.
وتضاف الصراعات الخفية الداخلية في حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، إلى تمادي بن غفير في طلباته وابتزازه السياسي المتواصل لنتنياهو الذي منحه صلاحيات في إقامة “الحرس الوطني”، والصدام مع الأحزاب الحريدية التي تطالب تشريع قانون إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية.
أزمات وتوترات
يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي بلال ضاهر، إن استطلاعات الرأي أظهرت أن شعبية نتنياهو وحكومته في تراجع، كما يلاحظ تراجع القوة البرلمانية لليكود وحزب “عظمة يهودية”، حيث تشير أحد الاستطلاعات إلى أن حزب الليكود سيفقد 10 مقاعد في الكنيست حال تفككت الحكومة.
وأكد ضاهر، في حديثه للجزيرة نت، أن البيانات الرسمية لاستطلاعات الرأي تدفع نتنياهو لتجاوز الأزمات وتبديد التوتر في الائتلاف الحكومي وعدم التوجه لانتخابات مبكرة، كونه سيخسر رئاسة الوزراء لصالح أحزاب المعارضة.
وعزا المختص بالشأن الإسرائيلي الخلافات الداخلية وأزمة التوتر بين رئيس الوزراء وبن غفير إلى المطالب المباشرة والخفية التي توجه إلى نتنياهو من قبل أميركا وأوروبا، وتطالبه بلجم بن غفير أو استبداله، بإدخال المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس والقائمة الموحدة برئاسة منصور عباس إلى الائتلاف، وهو السيناريو الذي يتم تناوله بالمشهد السياسي الإسرائيلي، كبديل عن التوجه لانتخابات مبكرة.
سيناريوهات واستطلاعات
وقلل ضاهر من نجاح سيناريو ائتلاف حكومي بديل، كونه لا يوجد توافق لدى حزب غانتس بالدخول لحكومة برئاسة نتنياهو، وعليه يعتقد أن الأزمات والتوترات ستبقى ترافق حكومة نتنياهو الذي يوظف منصبه من أجل طي ملفات الاتهام والتوصل إلى صيغة تسوية مع النيابة العامة الإسرائيلية، تحول دون محاكمته.
ورغم التوترات والأزمات الحكومية، يعتقد ضاهر أن المعطيات تشير إلى أن نتنياهو وبن غفير يقومان باستعراض عضلات، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى إقالة بن غفير أو انسحابه من الائتلاف، لمنع إسقاط الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة سيكون الخاسر الأكبر نتنياهو، بينما حزب بن غفير قد لا يتجاوز نسبة الحسم، بحسب بعض الاستطلاعات.
أما فيما يتعلق بالعلاقة بين نتنياهو وغالانت ومنعه من السفر لواشنطن، يعتقد المختص بالشأن الإسرائيلي أن ذلك يندرج ضمن الصراعات الداخلية في الليكود، حيث يريد نتنياهو الانتقام من غالانت وتمرده بخطابه على ما يسمى خطة الإصلاحات القضائية، وبالتالي سيسمح مستقبلا لوزير دفاعه بالسفر إلى أميركا.
وأوضح المتحدث أن نتنياهو يريد أن يظهر لأعضاء الليكود بأنه سيد الموقف وصاحب القول الفصل، وأنه ما زال الزعيم دون منازع ولن يتنحى ولن يعتزل السياسة بسبب محاكمته، لأنه سيكون أقرب إلى أبواب قفص الاتهام ومحاكمته بملفات الفساد، وهي القضية الأساس التي تحدد نهج نتنياهو مع أعضاء حزبه وشركائه في الائتلاف الحكومي.
استقطاب وصراعات
ورغم الأزمات التراكمية داخل الائتلاف الحكومي والصراع الداخلي في الليكود، فإن المتحدث باسم كتلة “السلام الآن” آدم كلير، يستبعد أن تفضي الفترة القريبة القادمة إلى تفكيك الائتلاف الحكومي، التوجه لانتخابات مبكرة، لكنه يجزم أن هذه الملفات مؤشر على المزيد من تصدع الائتلاف.
وأوضح كلير أن نتنياهو شكل الائتلاف حسب معادلة الارتهان لابتزاز معسكر اليمين المتطرف والأحزاب الدينية والحريدية التي منحته حصانة لتجنب محاكمته بسبب ملفات الفساد، معتقدا أن بوصلة نتنياهو في الحكومة ستكون وفقا لهذه المعادلة التي ستعمق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي والاستقطاب بالمشهد السياسي.
وعليه، يقول كلير إن انسحاب بن غفير من الائتلاف الحاكم بعد 4 أشهر من تشكيل الحكومة، دون تحقيق أي إنجازات مهمة في منصب وزارة الأمن القومي، بمثابة ضربة قاضية له ولحزبه وقد يكون انتحارا سياسيا، وعليه سيكون من الصعب على بن غفير خوض هذه المغامرة.
ورجح في حديثه للجزيرة نت أن الضرر الذي قد يلحق بشخص ورمزية بن غفير لدى أنصار معسكر اليمين المتطرف، في حال تفكيك الحكومة باكرا، ستبقى ترافقه وسيكون من الصعب التغلب عليها وتحسين وترميم صورته.
مصالح وضغوطات
وأشار إلى أن المواجهة وأزمة التوتر مع نتنياهو تفجرت بسبب الضغوطات التي تمارس على بن غفير من أنصاره الذين يطالبون بإشراك حزب “عظمة يهودية” في القضايا الأمنية، وأيضا أن تعتمد الحكومة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين.
وأوضح كلير أن هذا التوتر داخل الحكومة يعكس أولا أزمة الثقة بين نتنياهو وبن غفير، حيث يظهر واضحا أن رئيس الوزراء لا يصدق بن غفير ولا يثق به، وليس من قبيل المصادفة أنه لم تتم دعوته إلى المناقشات الأمنية، رغم منصبه وزيرا للأمن القومي، فهو ببساطة لا يريده هناك.
ويرى أن نتنياهو يعتبر بن غفير متطرفا وليس لديه نية لمشاركة القضايا الحساسة معه، وفي ظل هذا النهج في الحكومة، يطرح السؤال حول مدى قدرة الاثنين على التعاون؟ قائلا إن “ما يجمع نتنياهو وبن غفير التقاء المصالح للبقاء في الحكم مهما كان الثمن، وبالتالي سيعودان للتعاون حتى الانفجار المقبل وتراكم الأزمات”.