مراسلو الجزيرة نت
جنين- كان الشاب عودة أبو صواي طفلًا حين زرع شجرة خرّوب أمام مصنع للطوب يملكه والده بالقرب من دوار العودة في مدخل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغريبة، وعندئذ لم يتخيل أن هذه الشجرة ستتحوّل إلى مزار وستحظى بكثير من الرمزية والاهتمام.
إنها الشجرة التي استشهدت تحتها الصحفية شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/أيار من العام الماضي بعد أن أصابتها رصاصات قناص إسرائيلي وهي تستعد لتغطية اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين.
يقول عودة أبو صواي (24 عاما) “زرعت شجرة الخروب هذه وغيرها من الأشجار بجانب سور مصنع والدي.. لم يخطر في بالي قط أن يأتي يوم وتصبح هذه شجرة شيرين أبو عاقلة”.
حين وصلت “الجزيرة نت” إلى مكان استشهاد شيرين كان عودة يقوم بسقاية الشجرة الوارفة الظلال. ويقول إنه اعتاد الاعتناء بها وتنظيف الأرض حولها باستمرار، “اعتدت الاهتمام بها، ومنذ استشهاد شيرين وأنا أسقيها باستمرار وأزيل الأوساخ من حولها. ورغم أن شجر الخروب لا يحتاج إلى السقاية، فإني أحب أن أرويها بالماء دائمًا”.
ويضيف “هذه الشجرة عزيزة عليّ لأني زرعتها بيدي هنا، لكن مكانتها أصبحت أكبر وأعمق وارتباطي بها زاد بعد استشهاد شيرين تحتها”. والمفارقة -كما يقول- أنه زرع “أشجارا أخرى بجانبها على مدار الأعوام الماضية، ولم تصمد إلا هي بعد أن ذبلت وماتت الأشجار الأخرى بفعل السيارات التي تمر بجانبها على الطريق، أما هي فبقيت صامدة لتشهد على استشهاد شيرين أبو عاقلة”.
مزار لأهالي المخيم والفلسطينيين
أصبحت الشجرة مزارًا للفلسطينيين، يأتي إليها كل من يزور مخيم جنين من كل المناطق الفلسطينية؛ يلتقطون الصور ويسمعون قصة استهداف شيرين واستشهادها هنا.
يقول عودة “يوم السبت، وهو يوم دخول فلسطينيي 48 إلى جنين، تجدون الناس هنا بكثرة، وكلهم يزورون الشجرة والمكان، يلتقطون الصور ويضعون الورود ويقضون بعض الوقت ثم يكملون جولتهم في جنين”.
ويضيف “أيضًا يأتي المارون من هنا للجلوس تحت الشجرة، لأخذ قسط من الراحة خلال تنقلهم بين حارات المخيم. وأصبح ملاحظا كيف أن الشباب -مثلا- يسألون بعضهم: إلى أين؟ فتكون الإجابة: عند شجرة شيرين”.
كان عوده قبل عام ينوي قطع شجرة الخروب لأنها أصبحت كبيرة ويصل جزء منها إلى الشارع، ولأنها لم تثمر منذ زراعتها قبل ١٠ سنوات، لكنه بعد حادثة الاغتيال قرر الإبقاء عليها، بل فوجئ بأنها بدأت بطرح الثمار هذا العام، ويرى أن هذه قد تكون “كرامة ربّانية لأن تراب الشجرة ارتوى بدم الشهيدة شيرين” كما يقول.
“شجرة شيرين”.. في طريق الشهداء
أطلق أهالي المخيم اسم “شجرة شيرين” على شجرة الخروب التي لا تزال آثار رصاص القناص الإسرائيلي واضحة جدا على جذوعها. ولقربها من مقبرة الشهداء في مخيم جنين، عادة ما ينتظر المشاركون في تشييع الشهداء وصول جثامينهم لتمر من هنا أيضا.
يقول عودة إن الشجرة أصبحت دلالة للمارين والزائرين لهذه المنطقة، وبها يعرّف الناس مكان وجودهم باختصار بعد أن باتت معلما من معالم المخيم.
واعتاد الفلسطينيون بناء نصب تذكاري لكل شهيد في موقع استشهاده للتذكير به وبالطريقة التي استشهد بها، لكن في حالة الشهيدة شيرين اختار أهالي المخيم الذي يعجّ بالنصب التذكارية الإبقاء على الشجرة التي سال دمها تحتها، وعدّوها النصب الدال على حادثة اغتيالها.
وفضّل الأهالي أن تبقى الشجرة بحالتها وبآثار الرصاص عليها من دون أي تدخل منهم لبناء نصب من الحجارة مثلا كي يذكّر كل من يزور المكان بجريمة اغتيال الصحفية شيرين كما وقعت تماما.
يقول الحاج أبو علي عويس (٧١ عامًا) وهو صاحب بقالة في الجهة المقابلة للشجرة “هذه شجرة شيرين، الصحفية التي دخلت قلوب كل أهالي المخيم كما دخلت بيوتهم”. ويؤكد أن الناس لم تنقطع عن زيارة الشجرة منذ استشهاد شيرين، وحتى بعد مرور عام على الحادثة، و”ليس الفلسطينيون فقط من يأتي، بل جاءت أيضا وفود صحفية ورسمية وأجنبية طوال هذا العام وبأعداد كبيرة”.
ويرى عويس أن الشجرة أصبحت مزارا للناس ونصبا للشهيدة الصحفية كغيرها من الشهداء، ويقول “ليس فقط شجرة شيرين، أنا أفكر أن أسمّي بقالتي هذه باسم شيرين أيضا”.
معلَم ورمز في المخيم
من مقبرة الشهداء في المخيم يخرج أحمد زكارنة بعد أن شارك في تشييع ودفن أحد الشهداء، ويكمل طريقه حتى الشجرة، يقول وهو يشير إليها “هذه رمز في مخيم جنين.. طريق ذهابنا وعودتنا من وإلى المقبرة ودوار العودة القريب لا بد أن يتخلله زيارة للشجرة”.
وكما توجد داخل المخيم معالم مهمة تميّزه عن غيره من مخيمات الضفة الغربية كساحة المخيم الشهيرة التي تتوسطه وتمثل مساحةً لكل الفعاليات المهمة التي تحدث فيه، أو كمدخله الذي كتب عليه “محطة انتظار لحين العودة”، وكذلك دوّار العودة المعروف والقريب من مكان اغتيال شيرين أبو عاقلة، أصبحت شجرة الخروب التي استشهدت تحتها شيرين وسميت باسمها أحد أبرز معالم المخيم ورموزه.
وغير بعيد عن الشجرة، يلهو 3 أطفال في الشارع ويبحثون عن جرو أضاعوه قبل ساعة، وعند اقترابهم يقول أحدهم واسمه جود (١٠ سنوات) “أنا أعرف.. هذه الشجرة اسمها شجرة شيرين، الكل في المخيم يسميها كذلك، لأن شيرين استشهدت تحتها”.