يعاني فلسطينيو 1948 مزيدا من القمع العنصري والترهيب ومصادرة الأراضي وهدم المنازل بحماية من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية)، وزادت هذه الممارسات بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وشكلت محاولة الائتلاف الحكومي لتمرير مشروع قانون إقصاء النائب أيمن عودة، رئيس تحالف الجبهة والعربية للتغيير من الكنيست أجلى صورة لهذه الممارسات، وطالب 73 عضوا من الائتلاف وأطراف في المعارضة بطرده، لكنهم لم يتمكنوا من تأمين 90 صوتا من أصل 120، وهي الأغلبية المطلوبة قانونيا لإقصاء نائب منتخب.
ويثير هذا التطور -بحسب محللين- تساؤلات جوهرية عن مستقبل فلسطينيي 48 ومشاركتهم السياسية في الكنيست، ويعيد الحديث عن التحديات والمخاوف التي تواجههم في ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة.
وجود محصور
يبلغ تعداد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر نحو 2.1 مليون ويمثلون ما يقارب 21% من عدد سكان إسرائيل.
وتم حصر وجودهم في مناطق معينة نتيجة للحكم العسكري الذي استمر من (1948-1966)، والذي قيّد حركتهم وصادر أراضيهم، إضافة للمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في 1948 وهدفت إلى تهجيرهم من مناطقهم.
ومنذ عام 1948، صودر أكثر من 90% من أراضي الفلسطينيين في الداخل بموجب “قوانين الغائبين” و”أملاك الدولة”، والتي بموجبها يتم منع توسع البلدات العربية ورفض طلبات البناء حتى الآن.
ويقول رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وعضو الكنيست السابق سامي أبو شحادة للجزيرة نت، إن إسرائيل تعاملت مع المواطنين العرب داخلها كأعداء منذ النكبة وليس فقط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
قوانين عنصرية
ومنذ قيام دولة الاحتلال سنت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من القوانين التي ضيقت بها الخناق على فلسطينيي 1948 وسلبت فيها حقوقهم، ومن أبرزها:
إعلان
- قوانين أملاك الغائبين (1950): التي صودرت بموجبها أراضي وممتلكات مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ومهجّري الداخل، إذ يمتلك الفلسطينيون فقط 9% فقط من الأراضي داخل إسرائيل رغم أنهم يشكلون 21% من عدد السكان.
- قانون لجان القبول (2011): الذي يسمح لليهود في المستوطنات الصغيرة برفض سكن العرب بينهم بدعوى “عدم الملاءمة الاجتماعية والثقافية”.
- قانون إقصاء أعضاء الكنيست (2016): يتيح طرد أي عضو كنيست يُتهم بدعم “الإرهاب” أو إنكار “يهودية الدولة”، وهو موجّه بالأساس ضد النواب العرب.
- قانون الولاء في الثقافة (2018): يهدد بقطع التمويل عن مؤسسات ثقافية إذا “أنكرت وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية”.
- قانون القومية اليهودية الذي سن في عام 2018: ذروة قوانين الفصل العنصري إذ ينص القانون على أن حق تقرير المصير في البلاد حصري للشعب اليهودي، كما يدعم الاستيطان اليهودي كقيمة وطنية، ويخفض مكانة اللغة العربية من لغة رسمية إلى “لغة ذات مكانة خاصة”. ويُقصي المواطنين العرب ويكرّس التمييز البنيوي ضدهم.
وهناك قوانين تقييد الحقوق السياسية لفلسطينيي الداخل، ومن الأمثلة عليها قوانين ترفع نسبة الحسم في الانتخابات، مما يصعّب على الأحزاب العربية اجتيازها.
View this post on Instagram
إضافة إلى عدة قوانين تشجع تهجير البدو في النقب، كـ “خطة برافر” التي جُمّدت لاحقًا بفعل الاحتجاجات، كما سنت قوانين تستهدف حرية التعبير والتنظيم لفلسطينيي الداخل ومنها:
- قانون مقاطعة المستوطنات (2011): الذي يفرض غرامات ويتيح مقاضاة من يدعو لمقاطعة المستوطنات أو إسرائيل، إضافة إلى قيود على ذكر النكبة وتمويل الفعاليات التي تحييها.
- قانون الجمعيات (2016): يستهدف منظمات المجتمع المدني، وغالبًا ما يلاحق الجمعيات الحقوقية الفلسطينية.
- قوانين تسهيل هدم منازل الفلسطينيين بذريعة “البناء غير المرخص”، مع تعقيد كبير في منح التراخيص للعرب.
كما تتصاعد إجراءات التمييز في ميزانيات التعليم، والخدمات البلدية، والبنية التحتية، مما يكرّس الفجوة بين اليهود والعرب.
ويضاف إلى ذلك، القانون الذي يهدف للتأثير على التوازن الديموغرافي لفلسطينيي 1948، ويطلق عليه قانون المواطنة (لمّ الشمل)، ويمنع لمّ شمل عائلات فلسطينية إذا كان أحد الزوجين من الضفة الغربية أو غزة.
ويصف الأكاديمي وعضو الكنيست السابق جمال زحالقة في تصريح خاص للجزيرة نت، “التعامل العنصري مع فلسطينيي 1948، بأنه جزء من بنية النظام، وليس مجرد سياسة لهذه الحكومة أو تلك، ويتجلّى ذلك في مجموعة من القوانين الرسمية التمييزية وفي السياسات والممارسات، التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية منذ إقامة الدولة الصهيونية.
وأضاف أن كثيرا من القوانين تطبق تطبيقا عنصريًا، ومنها قوانين مصادرة الأراضي، التي تبدو ظاهريا محايدة ولا تتطرق إلى اليهود وإلى العرب، لكنّها تطبّق باتجاه واحد، وهو سلب الأراضي من العرب ومنحها اليهود، في إجراءات مركّبة، لكنّها واضحة الاتجاه.
القمع بعد “السابع من أكتوبر”
شهدت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 موجة جديدة من القوانين والممارسات العقابية الموجهة ضد المواطنين العرب، تحت شعار “حفظ الأمن” أو “منع دعم الإرهاب”، لكنها فعليا زادت من التضييق والتمييز.
إعلان
وقد شهد شهر أكتوبر 2023 أكثر الإجراءات قسوة وعنصرية، وتم إقرار تعديلات على “قانون مكافحة الإرهاب” وشُددت العقوبات على أي تعبير عن الرأي، بمزاعم التأييد للإرهاب، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووسع تعريف “التحريض” ليشمل حتى التعبيرات الرمزية، مثل رفع العلم الفلسطيني في مظاهرة، وقد سجلت كثير من حالات عديدة لفصل موظفين عرب من أماكن عملهم بسبب منشورات أو تعبيرات اعتُبرت مؤيدة للإرهاب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 دفع الائتلاف الحكومي بمشاريع قوانين لتسهيل سحب الجنسية أو الإقامة من مواطنين عرب متهمين بدعم “الإرهاب” أو مخالفة الولاء للدولة، حتى دون محاكمة، بدعوى أن “مصلحة الدولة العليا” تبرر ذلك.
في المقابل هددت إدارات الجامعات الإسرائيلية الطلاب الفلسطينيين بالفصل بسبب منشورات أو مشاركة في مظاهرات، كما شجعت وزارة التعليم الإسرائيلية المدارس على “مراقبة” المعلمين والطلاب العرب والتبليغ عن أي مواقف “مشبوهة”.
ووسعت صلاحيات الشرطة والمخابرات عبر الدفع بقوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود في البلدات العربية بغطاء “منع الشغب” إضافة إلى حملات تفتيش جماعية، حملات اعتقال، وإنشاء وحدات خاصة للتجسس على شبكات التواصل الاجتماعي في المجتمع العربي.
وفي يناير/كانون الثاني 2024 طرح مقترحات تقييد تمويل أو حتى حظر أحزاب عربية بتهمة “دعم الإرهاب” أو “التشكيك في يهودية الدولة” والذي يهدف الى ملاحقة جمعيات أهلية عربية بدعوى تلقي أموال من جهات “معادية”.
وكان آخر هذه القوانين ما أقرته الهيئة العامة للكنيست 9 يوليو/تموز العام الماضي بالقراءتين الثانية والثالثة، الذي يمنع منح مكانة مدنية في إسرائيل لأقارب منفذي العمليات، وبموجب القانون، سيُمنع أفراد عائلات منفذي العمليات من دخول إسرائيل ضمن إجراءات لمّ شمل العائلات، وسيتم ترحيل من حصلوا بالفعل على إقامة مؤقتة.
وبحسب المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل “عدالة” فقد اعتقل مئات الفلسطينيين داخل إسرائيل بسبب التعبير عن الرأي، ومنها معارضة استهداف الهجمات الإسرائيلية للمدنيين الأبرياء، التعبير عن التعاطف مع أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، الحديث عن العقوبات الجماعية وجرائم الحرب وتناقل الأخبار عمّا يحدث في غزة.
ويشير رئيس قائمة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير عضو الكنيست أيمن عودة في تصريح خاص للجزيرة نت، إلى أن ما تقوم به إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول هي مخططات مبيتة مسبقًا وتستغل إسرائيل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من أجل تمريرها.
وأضاف أن “المخطط ضد غزة ونقل سكانها إلى سيناء كانت قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ورئيس الوزراء السابق إسحاق رابين كان يتمنى غرق غزة في البحر، والحكومة الإسرائيلية تستغل الأمر لتمرير سياسات ضد الشعب الفلسطيني”.
وقال إنه وتوازيا يتم استغلال الحرب ضد فلسطينيي 1948 من أجل إعادتهم الى مربع الحكم العسكري والذي يعني أن يصبحوا مواطنين غير شرعيين في العمل السياسي، “وأن نحبط من إمكانية التأثير، بالتالي تنخفض نسبة تصويتنا من أجل أن يبقى اليمين المتطرف في الحكم، مع سحب كل المكتسبات -وهي دائما كانت حقوق منقوصة- على مستوى حرية التعبير التي أنجزناها بنضالنا عبر عشرات السنين”.
الإهمال والفوضى
ويعاني الفلسطينيون في إسرائيل من الفوضى والإهمال وانتشار الجريمة، وبحسب التقرير النصفي لعام 2025 لمركز “أمان” المركز العربي لمجتمع آمن، وهو مركز متخصص في حقوق الإنسان لفلسطينيي 1948، فقد ارتفعت للسنة الثالثة على التوالي أعداد ضحايا العنف والجريمة في المجتمع العربي منذ تولّي حكومة نتنياهو الحالية السلطة.
إعلان
وبحسب مسح جديد لبرنامج كونراد أديناور للتعاون اليهودي العربي في مركز موشيه ديان، لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب نشر مطلع هذا الشهر، أفاد 75.4% من المشاركين يشعرون بعدم الأمان الشخصي وانخفاض الحالة المزاجية، ويرجع ذلك أساساً إلى العنف في المجتمعات العربية والحرب المستمرة في غزة.
ويقول زحالقة إنه منذ انتخاب حكومة نتنياهو الجديدة، زاد عدد القتلى على خلفية تفشي الجريمة بضعفين ونصف، وتصل معدلات القتل السنوية عند الفلسطينيين في إسرائيل إلى أكثر من 10 أضعاف المعدلات عند اليهود في إطار الدولة نفسها والشرطة هي الشرطة ذاتها، وهي تزيد عن نسبة جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، والشعب هو الشعب نفسه والمجتمع هو المجتمع ذاته.
وأضاف أن السبب لانفلات الجريمة، هو سياسات الدولة عموما وهذه الحكومة بالذات، التي لا تفعل شيئا يُذكر لمكافحة الجريمة ما يجعل المجرمين وعصابات الإجرام يفرضون حالة من انعدام الأمان وحتى الرعب في المجتمع الفلسطيني في الداخل.

القمع السياسي
منذ عام 1948 وحتى منتصف الستينيات، نشطت إسرائيل في تطبيق نظام قمعي ممنهج ضد الفلسطينيين يشمل الحكم العسكري، المصادرة، التحديات القانونية، التهجير، وتجريف القرى، بهدف اختزالهم إلى مجتمع محدود الحقوق ومقطع سياسياً تحت سيطرة الدولة.
وقد فرض الحكم العسكري على فلسطينيي 1948 حتى عام 1966، مما حرمهم من حرية الحركة وأخضعهم لإجراءات استثنائية تتضمن الإقامة الجبرية، وتفتيش المنازل دون إذن قضائي، وفرض حظر تجوال متكرر إضافة لاستغلال قوانين الطوارئ لتنفيذ اعتقالات احتياطية بدون محاكمة والرقابة على النشاط السياسي، مع إمكانية الإبعاد أو منع العودة.
وقد شكل التمثيل السياسي لفلسطينيي الداخل تهديدًا لإسرائيل، فتعقّبت القادة، وحرصت على تفكيك الأحزاب وتعزيز الفرقة بين القوى السياسية العربية

ويقول زحالقة، إن هذه الحكومة تقوم بالملاحقة السياسية وتعمل على قمع الناشطين، الذي يحتجون على الحرب وعلى جريمة الإبادة الجماعية في غزة. لقد اعتقل المئات، وجميعهم تعرّضوا للتحقيق والسجن بتهمة التعبير عن الرأي، وتجري الاعتقالات بحجج واهية وتهدف إلى تكميم الأفواه ومنع الاحتجاج على جرائم الاحتلال والحرب.
وأضاف أن الكنيست الإسرائيلي يسن عشرات القوانين العنصرية الهادفة إلى قمع العمل السياسي عند فلسطينيي الداخل، بالأخص في الجامعات، كما تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتضييق الخناق على الأحزاب السياسية وعلى الجمعيات الأهلية.
وجرت أخيرا محاولة لإبعاد عضو الكنيست أيمن عودة عن الكنيست، لمجرّد أنّه فرح لإطلاق سراح الأسرى “سواء كانوا إسرائيليين أم فلسطينيين” واتهم بارتكاب “جريمة المساواة بين المختطفين الإسرائيليين والمخربين الفلسطينيين”، وفق الوصف الإسرائيلي.
من جهته، يصف شحادة أوضاع فلسطينيي 1948 بعد السابع من أكتوبر، “إن إسرائيل وجدت فرصة لزيادة محاصرة الأقلية الفلسطينية، وهناك ملاحقات سياسية واقتصادية ومنع لحرية التعبير عن الرأي، ومنع الحق في التظاهر وكل ذلك ازداد بشكل كبير جدا.

وأضاف شحادة تتعامل الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب مع المواطنين الفلسطينيين على أساس أننا أعداء، فمنذ السابع من أكتوبر، أعلن نتنياهو أن فلسطينيي 1948 جبهة رابعة في الحرب، حينما قال، إن الجبهة الرابعة هي الجبهة الداخلية، وعلى هذا الأساس يتعامل نتنياهو ووزراؤه المتطرفون مع العرب الفلسطينيين منذ بداية الحرب.
وأشار عودة الى مخططات حكومة نتنياهو من خفض نسبة الحسم والتي ستؤثر على الصوت العربي في الانتخابات القادمة وهي عامل مؤثر للأحزاب الفاعلة داخل الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل، فكلما كانت نسبة الحسم مرتفعة أكثر يساعد ذلك على توحيد كل القوى بينما عندما تهبط هذه النسبة فهناك من يفكر بأنه يستطيع أن يعبرها وحده، وهذا يؤدي الى تفتيت الصوت العربي.