طهران – للمرة الأولى منذ انتخابه رئيسا لإيران في يوليو/تموز الماضي، التقى مسعود بزشكيان نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش المنتدى الدولي، الذي تستضيفه العاصمة التركمانية عشق آباد تحت عنوان “العلاقة بين الأزمنة والحضارات.. أساس السلام والتنمية”.
وخلال لقائهما أمس الجمعة، أشاد الرئيسان بالعلاقات “الودية والإستراتيجية” التي تربط البلدين، مؤكدين أنها تحظى بـ”الأولوية”، كما ناقشا التطورات في الشرق الأوسط، وشددا على ضرورة إتمام توقيع وثيقة الشراكة الإستراتيجية بينهما قريبا.
يأتي ذلك في خضم التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط وتهديد إسرائيل بضرب أهداف حيوية في العمق الإيراني، مما أثار تساؤلات عن مدى جدية موسكو في الوقوف إلى جانب طهران في مواجهة هذه التحديات الحقيقية.
ملفات عالقة
وفي ظل الضغوط الغربية على إيران بذريعة تعاونها العسكري مع روسيا خلال حربها على أوكرانيا، أعاد اللقاء بين بزشكيان وبوتين انتقادات الأوساط الإيرانية للجانب الروسي إلى الواجهة، فتساءل مراقبون عن سبب عدم تسليم موسكو الأسلحة الإستراتيجية وعلى رأسها مقاتلات “سوخوي-35” ومنظومة “إس-400” للدفاع الجوي التي سبق أن أتمت إيران صفقة شرائهما.
يرى محمود شوري، الباحث في “مركز الدراسات الإستراتيجية” بمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أن العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو “متينة وتواصل تعزيزها منذ ثلاثة عقود”، لكنه تحفّظ على وصفها بأنها “إستراتيجية”، مضيفا أن سياسات البلدين “متباينة” إزاء بعض الملفات الإقليمية والدولية رغم تقاطع الرؤى حيال العديد منها، لكن لا يمكن القول إن الجانبين يعتبران أمنهما من أمن الطرف المقابل.
وفي حديث للجزيرة نت، يشير الباحث الإيراني إلى الملفات العالقة بين بلاده وروسيا، ورأى أن توقيت الزيارة يجعل من إثارة بعض الملفات الثنائية والإقليمية والدولية “أمرا لابد منه”، موضحا أنه علاوة على تنفيذ الصفقات التجارية والعسكرية وإتمام التوقيع على اتفاقية التعاون البعيدة المدى، فإن تطورات الشرق الأوسط وموازنة علاقات طهران مع القوى الشرقية والغربية تحتل حيزا مهما من مباحثات الرئيسين.
وتعليقا على مطالبة بعض الأوساط الإيرانية الجانب الروسي بضرورة تسليم مقاتلات سوخوي-35 ومنظومة إس-400 للدفاع الجوي إلى إيران، لاسيما بعد أن تعرضت الأخيرة لضغوط غربية كبيرة لتعاونها العسكري مع موسكو، يقول شوري إن بلاده ترفض الاتهامات الغربية حول مدها روسيا بالسلاح، وإن الجانب الغربي لم يقدم ما يثبت هذه الاتهامات.
التعاون العسكري
كما يرى شوري أن التعاون العسكري بين طهران وموسكو لم يخرج عن إطاره الطبيعي، ولا يشكل تهديدا لطرف آخر، ذلك بأن إيران رفضت التقارير الغربية حول تسليم الجانب الروسي صواريخ باليستية، وأعلنت بشكل واضح أنها سبق أن أرسلت عددا محدودا فقط من الطائرات المسيّرة إلى روسيا قبل فترة الحرب مع أوكرانيا.
وبرأي المتحدث نفسه، فإن طهران لا تعتبر أوكرانيا عدوة لها، بل تدعو إلى ضرورة وقف الصراع العسكري في كييف فورا، وهذا ما أكده الرئيس بزشكيان خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي.
وخلص إلى أن النخب الإيرانية تنتقد العلاقة بين طهران وموسكو لأن الأخيرة لا تقدم ما عليها لإيران إلا بعد فوات الآوان، إذ إن المطالبات الشعبية في طهران بضرورة تنفيذ صفقات الأسلحة تأتي في محلها.
ومع تزايد تساؤلات الأوساط الإيرانية عن مصير هذه الصفقات، نشرت بعض المواقع الإخبارية الناطقة بالفارسية تقارير عن وصول دفعة من المقاتلات الروسية المتطورة ومنظومة إس-400 للدفاع الجوي إلى إيران، وسط صمت رسمي حيال هذه التسريبات، حيث حاولت الجزيرة نت الحصول على تعليق رسمي على هذه التقارير من خلال التواصل مع الأوساط المعنية، لكنها رفضت التعليق.
أما على الصعيد غير الرسمي، فقد كانت الجزيرة نت سباقة في الكشف عن وصول شحنات من الأسلحة الروسية إلى الجمهورية الإسلامية، حيث قال القيادي السابق بالحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم للجزيرة نت في أغسطس/آب الماضي إن بلاده قد “تسلمت بالفعل من الحليف الروسي أنظمة إس-400 للدفاع الجوي وعددا من مقاتلات سوخوي-35”.
صورة ضبابية
يعتبر الباحث في العلاقات الدولية حسن بهشتي بور التقارير عن تنفيذ صفقات الأسلحة بين إيران وروسيا بأنها “ضبابية” ما لم يصدر تصريح رسمي بشأنها، موضحا أن حرص طهران على عدم التعليق حول تسلم أسلحة إستراتيجية من روسيا من عدمه قد يكون مقصودا.
واستدرك، في حديثه للجزيرة نت، أنه قد لا تكون هناك حاجة لتأكيد وصول هذه الأسلحة من عدمها، ذلك بأن منظومة إس-400 إنما هي للدفاع الجوي ولا تستخدم لمهاجمة طرف خارجي، وأن الرادارات الأجنبية ستلتقط أولى الترددات فور تحليق مقاتلات سوخوي-35 إذا بدأت مهمة في الأجواء الإيرانية.
ويشكك بهشتي بور في عدم تسلم أي من الأسلحة التي اشترتها بلاده من روسيا، كما يشكك في تنفيذ كامل الصفقات بين طهران وموسكو، مضيفا أنه لا يستبعد أن تكون سياسة طهران في تجاهل التقارير الإعلامية عن وصول المقاتلات ومنظومة الدفاع الجوي ترمي لتضليل العدو أو في سياق الحرب النفسية.
ورأى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تربطه علاقات شخصية وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فضلا عن العلاقات الرسمية بين الجانبين، مشيرا إلى أن موسكو سارعت بإرسال مبعوث إلى طهران عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية ليدعو إيران لضبط النفس، في حين تتساءل الأوساط الإيرانية هذه الأيام عن سبب غياب مثل هذا الموفد ليدعو تل أبيب إلى ضبط النفس بعد الهجوم الصاروخي الإيراني.
وانتقد بهشتي بور غياب روسيا عن تطورات الشرق الأوسط كونها عضوا فاعلا في مجلس الأمن، وعدم تقديمها مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة أو لبنان، معتبرا أن العلاقات التي تربط موسكو بتل أبيب أقرب من علاقاتها مع طهران، على حد تعبيره، رغم توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل جزئيا بسبب موقف الأخيرة الداعم لأوكرانيا.
وخلص إلى أن الرأي العام والأوساط السياسية في إيران يتوقعان من روسيا في الوقت الراهن أن تفي بتعهداتها في سياق اتفاقيات الشراكة بين طهران وموسكو، وأن تساهم في رفع مستوى الردع العسكري الإيراني من جهة، والعمل على كبح جماح إسرائيل من جهة أخری، ومنعها من التمادي في مغامرات من شأنها افتعال حرب شاملة في الشرق الأوسط.