بغداد- شهدت مدن إقليم كردستان العراق ومحافظات أخرى خارجه تصعيدا مقلقا في وتيرة الهجمات التي تستهدف منشآتها الحيوية، سواء بطائرات مسيرة أو صواريخ.
وطالت هذه الهجمات المتتالية منظومات رادارات وحقول نفطية، بالإضافة إلى مقار عسكرية، ومطاري أربيل وكركوك ومصفاة بيجي النفطية، كما هز انفجار قوي صباح 14 يوليو/تموز الحالي، أحد مرافق الإنتاج في حقل سرسنك النفطي بالإقليم، وذلك بعد يوم واحد فقط من تعرض حقل “خورمالا” النفطي غرب محافظة أربيل لهجوم بطائرتين مسيّرتين مجهولتي المصدر.
وتثير هذه الهجمات العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء توقيت هذه الضربات والجهات المسؤولة عنها، في الوقت الذي تكتفي فيه السلطات العراقية بالإعلان عن فتح تحقيقات بهذه الحوادث المتكررة، الأمر الذي يثير قلقا وتساؤلات كبيرة لدى الرأي العام، حول سبب عدم كشف الحكومة العراقية عن هوية المسؤولين عنها.
وكانت السلطات العراقية قد أعلنت في 24 يونيو/حزيران الماضي عن فتح تحقيق في هجمات ليلية بطائرات مسيرة هجومية استهدفت مواقع وقواعد عسكرية، وتضررت منظومات الرادار في بعضها، مثل معسكر التاجي شمالي بغداد، وقاعدة الإمام علي الجوية في الناصرية.
رسائل موجهة
ويؤكد الأكاديمي والخبير الإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي أن الجهات المتورطة بالهجمات المتتالية التي تستهدف المنشآت الحيوية في العراق هي الفصائل المرتبطة بإيران.
وقال الشريفي للجزيرة نت إن “إيران ترى في مسألة استثمار الطاقة وتمددها شرق أوسطيا عبر سوريا تهديدا لمصالحها وأمنها القومي، مما دفعها إلى تحريك فواعلها المحلية داخل العراق لتوجيه هذه الضربات بهدف تأمين بيئة طاردة للاستثمار”.
وأضاف أن هذه الهجمات تحمل أيضا رسائل موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن الاستثمارات المستهدفة أميركية، وترسل إيران من خلال هذه الضربات رسالة مفادها أنها تمتلك “قدرة التأثير في الميدان عسكريا وتحتاج إلى التفاهم المباشر دون المرور بالحكومة العراقية”.
وعن صمت الحكومة العراقية وعدم إفصاحها عن الجهات المسؤولة عن هذه الهجمات، أوضح الشريفي أن الحكومة “لا تمتلك مبررا” لهذا الصمت، مشيرا إلى أنه لو أفصحت الحكومة عن الجهة المعنية بالاسم، لكان لزاما عليها اتخاذ إجراءات رادعة وتفعيل القضاء لإنفاذ القانون، “وهذا ما يضعها في حرج ويدفعها إلى التمويه أو التعتيم حتى لا تُعاتب على تقاعسها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة”.
وشدد الشريفي على أن تحديد الجهة المسؤولة أمر ضروري، خاصة أنها “تمس السلم الأهلي”، فعدم محاسبة هذه الجهات قانونيا يؤدي إلى “تردد الحكومة في تحمل مسؤولية إنفاذ القانون، وهو واجبها الدستوري” حسب قوله.
كما انتقد الخبير بشدة وصف الحكومة للجهات المسؤولة عن الهجمات السابقة بأنها “جهات سياسية”، معتبرا هذا التوصيف “عاما ويشمل جميع الجهات السياسية”، واصفا إياه بأنه “خطأ حكومي يضع الكيانات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة تحت شبهة التورط” ويخرجها من “محل ثقة الرأي العام”.
ودعا الشريفي الحكومة إلى تحديد الجهة المسؤولة وإنفاذ القانون، أو “إعلان عجزها وتقديم استقالتها”، مشيرا إلى أن الحكومة، كونها حكومة الإطار التنسيقي، تتأثر بشكل كبير بتوجيهات الإطار الذي هو “الكتلة المانحة للثقة” و”الكتلة المسيطرة برلمانيا”، وهذا يجعلها “لا تستطيع أن تصطدم بالإطار التنسيقي لكونه هو الذي جاء بها”.
صمت متكرر
من جانبه، يكشف الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، عن تفاصيل جديدة حول الجهات والأسباب التي تقف وراء الهجمات المتكررة التي تستهدف المؤسسات العسكرية والأمنية في العراق.
وقال حيدر للجزيرة نت إن هجمات المسيرات التي استهدفت مواقع في كركوك وصلاح الدين ومصفى بيجي، ومن ثم مواقع النفط في إقليم كردستان، “تشير إلى وقوف فصائل مسلحة تتعاون مع جارتنا الشرقية” حسب وصفه.
وعزا ذلك لسببين رئيسيين:
- الأول: وجود “مشكلة كبيرة” لدى الإيرانيين مع الشركة المستثمرة في حقل خورمالا وبقية الحقول النفطية في الإقليم.
- والثاني: للضغط على أربيل لغايات معينة.
وأوضح حيدر أن الصمت الحكومي ليس بجديد، “فعادة ما تتجنب الحكومة الكشف عن هوية هذه الجهات”، مبررا ذلك بأن هذه “الفصائل مرتبطة بقوى سياسية وأطراف أجنبية”، وهي “بالنتيجة تدير وتدار من قبل الدولة العميقة في العراق”.
وأضاف أن السوداني “يتجنب عادة ذكر أسمائها لأنه لا يريد أن يتورط معها”، خاصة أنه “فشل فشلا ذريعا” في تحقيق هدفه بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما كان ضمن برنامجه الانتخابي.
باسم مجهول
وأكد المستشار العسكري والأمني وفا محمد كريم، تصاعد وتيرة الهجمات “الإرهابية والإجرامية” في العراق، مشيرا إلى وقوع أكثر من 19 هجوما بطائرات مسيرة خلال الشهر الحالي.
وأبدى كريم خلال حديثه للجزيرة نت عن استغرابه من استمرار لجان التحقيق في نسب هذه الهجمات إلى “مجهول”، مؤكدا أن وزارة داخلية إقليم كردستان كانت قد كشفت قبل 10 أيام أن الهجمات تأتي من “إحدى الفصائل التابعة للحشد الشعبي”، مشيرا إلى أن الموقع الذي انطلقت منه الطائرات المسيرة كان معلوما، وتم الكشف عنه مؤخرا بأنه قريب من منطقة دبس بمحافظة كركوك.
وأضاف المستشار أن “الأدلة الكاملة” قُدمت للجان التحقيقية، لتمكينها من “مباشرة وإنفاذ القانون”، لكنه استدرك قائلا إن “لجان التحقيق دائما تكون عاجزة”.
وعن الجهة المستفيدة من هذه الهجمات، قال إن “اللجان التحقيقية تعلم من هو الجاني ومن هي الجهة ولمصلحة من تتم عرقلة الاتفاق النفطي بين بغداد والإقليم وقصف الحقول النفطية”، مؤكدا أن هذه الهجمات أدت إلى توقف أعمال العديد من الشركات النفطية في الإقليم.
وأشار كريم إلى أن “الجهة التي تمتلك الطائرات المسيرة معروفة”، محذرا من أن “هذه الفصائل التي تمتلك الطائرات المسيرة تعتبر نفسها أقوى من السلطة والدولة ومن أي لجنة تحقيقية، لذا من الصعب جدا محاسبة هؤلاء المجرمين”.

تعقيدات داخلية وإقليمية
من جانبه فقد أكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن الضربات “متفاوتة ومتباينة”، مشيرا إلى أن الجهة المنفذة ليست واحدة، بل جهات متعددة.
وقال أبو رغيف للجزيرة نت إن الجهة التي استهدفت مطار كركوك تختلف عن تلك التي استهدفت مطار أربيل، وكذلك الحال بالنسبة لحقول النفط في الإقليم والرادارات في جنوب العراق ومعسكر التاجي.
وعزا هذا التباين إلى “عمق الخلاف الأيديولوجي والإقليمي”، مرجحا تورط “دول إقليمية” من خلال “جهات داخلية، قد تكون معارضة أو موالية لها”.
وبيّن أن الحكومة “تحجم في أغلب الأحيان عن التحدث بطريقة المعلوم”، وتلجأ دائما إلى “تذويب الأمور” وعدم تسمية الجهات باسمها، مرجعا ذلك إلى عدة اعتبارات، منها أن “العراق أرض غير جاهزة للمكاشفة والمصارحة والقول الفصل في مثل هذه القضايا الحساسة” حسب قوله.
وأضاف أبو رغيف أنه “إلى الآن لا توجد جهة قد تبنت هذه الضربات”، وأن “الأمر حساس استخباراتيا وسياسيا” بالإضافة إلى “البيئة والمناخ العراقي الداخلي غير المهيأ” وهو ما يمنع الحكومة من “وضع النقاط على الحروف”.