|

طهران – لم يكن تجاوز عتبة البرلمان الإيراني سهلا على الرئيس مسعود بزشكيان في بادئ الأمر، رغم حصول جميع أعضاء تشكيلته الحكومية المقترحة على ثقة النواب، حيث دخل التنافس السياسي بينهما منعطفا دقيقا مع مضي نحو 7 أشهر على تنصيبه رئيسا للجمهورية الإسلامية.

وإذا كان قد تزامن اليوم الأول من ولاية بزشكيان مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الصيف الماضي، سببا أساسيا وراء الالتفاف السياسي الذي جنبه حينها سهام الخصومات السياسية، فإن إخفاقات حكومته خلال الفترة الماضية وضعته في مواجهة مباشرة مع البرلمان المحافظ، الذي تمكّن حتى الآن من تسجيل 3 نقاط في مرمى الحكومة الإصلاحية، وفق مراقبين.

فبعد نجاح البرلمان، قبل 10 أيام في عزل وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، إثر تدهور الاقتصاد الوطني المتمثل في تراجع قيمة الريال الإيراني وارتفاع معدلات التضخم، وجّه نوابه بطاقة صفراء لوزير العمل أحمد ميدري، يوم الثلاثاء الماضي، كما تكللت مساعي صقور المحافظين بإرغام محمد جواد ظريف على الاستقالة من منصب مساعد الشؤون الإستراتيجية للرئاسة الإيرانية بسبب امتلاك أولاده الجنسية الأميركية.

أعضاء البرلمان الإيراني يتحدثون فيما بينهم خلال إجراءات عزل وزير الاقتصاد همتي (الفرنسية)

تجمعات شعبية

من ناحيته، يقرأ جواد إمام، المتحدث باسم جبهة الإصلاحات -المكونة من عدة أحزاب وحركات سياسية تنضوي تحت عباءة التيار الإصلاحي- تزايد الضغوط على حكومة بزشكيان في سياق احتدام التنافس السياسي بين صقور التيار المحافظ المتمثل في جبهة صمود الثورة الإسلامية والحكومة الإصلاحية، مؤكدا أن همتي وظريف راحا ضحية لتصفية الحسابات السياسية في بلاده.

وفي سلسلة تغريدات نشرها على منصة إكس، صوّب إمام سهامه نحو التيار السياسي بزعامة المرشح الرئاسي الخاسر سعيد جليلي، متهما إياه بالعمل على الإطاحة بحكومة بزشكيان، وكتب أن الهدف الأساس من وراء هذا السيناريو هو الإطاحة بالرئيس بزشكيان والقضاء على آخر حكومة منتخبة من قِبل الشعب والديمقراطية وحق تقرير المصير.

يأتي ذلك على وقع تجمعات شعبية مناهضة لسياسات الحكومة الرامية إلى رفع القيود الاجتماعية، ومنها قانون الحجاب الإجباري.

قوانين إشكالية

وردا على تجمع مئات المواطنين أمام البرلمان، يوم الثلاثاء الماضي، للمطالبة بمحاسبة الحكومة لرفضها تنفيذ قانون “الحجاب والعفة”، اعتبر قائم مقام طهران حسين خوش إقبال أن التجمع الأخير غير مرخص وغير قانوني، في حين طالبت آذر منصوري رئيسة جبهة الإصلاحات -في تغريدة على منصة إكس- وزارة الداخلية بإصدار ترخيص لتجمع معارضي هذا القانون، ولتسجيل الدعم الشعبي لقرارات الرئيس بزشكيان وموقفه الرافض لتنفيذ ما يسمى بقانون الحجاب.

ورغم تصديق البرلمان الإيراني، الصيف الماضي، على مشروع قانون الحجاب والعفة الذي سبق وقدمته حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، فإن الرئيس بزشكيان انتقده مرارا خلال حملته الانتخابية وعقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، معتبرا أنه “من غير الممكن تطبيق قوانين تعارضها أغلبية الشعب”.

في غضون ذلك، شدد محمد جعفر قائم بناه، المساعد التنفيذي للرئاسة الإيرانية، على أساسيات تشريع القوانين الواردة في المادة التاسعة من السياسات العامة للدولة، ومنها أن تكون قابلة للتطبيق، ونابعة من حاجة حقيقية، وأن تحظى بمشاركة غالبية الشعب، مضيفا في تغريدة على منصة إكس أن الرئيس بزشكيان يؤكد عدم تطبيقه قانون الحجاب، لأنه يتسبب في إيجاد مشكلات للناس، وأنه لا يريد الوقوف بوجه الشعب.

تنافس سياسي

من جهته، رأى السياسي المحافظ وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني أبو الفضل ظهره وند أن البرلمان يقوم بواجبه الدستوري، ومنه سن القوانين والرقابة على عمل السلطة التنفيذية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد ظهره وند أن البرلمان سبق وأثبت حسن نواياه في دعم الحكومة، وأنه منح المجلس الوزاري فترة 6 أشهر لمعالجة الوضع المعيشي ومواجهة التحديات الماثلة أمام البلاد، نافيا أن تكون تحركات زملائه النواب لتصفية الحسابات مع الحكومة الإصلاحية.

ولدى إشارته إلى أن القوانين توضع للتنفيذ والتطبيق لضمان المصالح الوطنية، يوضح النائب المحافظ أن السياسات العدائية التي تنتهجها بعض القوى الغربية ضد بلاده تحتم على البرلمان مراقبة أداء الحكومة لضمان مصالح الدولة، وعدم التفريط في الوقت والطاقات الوطنية لإفشال العقوبات والضغوط الأجنبية.

وخلص إلى أن التنافس السياسي يعزز الديمقراطية والنظام السياسي في البلاد، وأن الثقة التي يمنحها البرلمان للمجلس الوزاري قابلة للسحب عندما يتضح له أن الوزير ينتهج سبيلا مغايرا للسياسات العليا للدولة.

نهج مسيس

في المقابل، ينتقد المتحدّث باسم حزب “اعتماد ملي” الإصلاحي إسماعيل كرامي مقدم، إصرار الرئيس بزشكيان على تطبيق شعار “الوفاق الوطني” بحذافيره، إذ خصص نحو 8 وزارت بالتيار السياسي المنافس الذي لم يأل جهدا في سبيل إفشال الحكومة.

وفي حديثه للجزيرة نت، رأى مقدم أن هجمات التيار المحافظ على حكومة بزشكيان لن تقف عند إقالة وزير أو مساعد للرئاسة، وإنما وضعهم العصي في عجلة الحكومة سوف يستمر باستهداف وزراء وشخصيات إصلاحية أخرى بشتى الذرائع لإفشال المجلس الوزاري وتسجيله باسم التيار الإصلاحي.

واتهم صقور المحافظين بتبني سياسة مزدوجة في التعامل مع حكومة بزشكيان مقارنة مع الحكومة المحافظة السابقة، مؤكدا أن البيانات المتوفرة لديه تثبت امتلاك عدد من صقور نواب المحافظين البطاقة الأميركية الخضراء (غرين كارد)، ناهيك عن الجنسية المزدوجة التي يحملها أفراد أسرهم.

واستذكر الناشط السياسي الإصلاحي حكومة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي التي شكّلها من نخبة شخصيات تياره السياسي، مؤكدا أنها سجلت أفضل أداء بين الحكومات المتعاقبة بعد ثورة عام 1979، وطالب بالعمل على إبعاد جميع الشخصيات التي لا تؤمن بالوفاق الوطني من المجلس الوزاري وفضح السياسات المحافظة الرامية لعرقلة عمل الحكومة والمتناغمة مع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، علی حد قوله.

شاركها.
Exit mobile version