مع اقتراب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة من نهايتها، يحيط قدر كبير من الغموض بشأن البدء في مفاوضات المرحلة الثانية، نتيجة للمواقف المتعنتة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كان من المفترض أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية وفق الاتفاق في اليوم السادس عشر من بداية المرحلة الأولى، لكن مع مرور 36 يوما يبدو من غير الممكن -وفق معظم التوقعات- الدخول في المرحلة الثانية.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات كبيرة حول مدى صمود الاتفاق وآليات تنفيذ مراحله المتبقية، خصوصا مع الشروط التعجيزية التي وضعها نتنياهو للمرحلة الثانية والمتمثلة بعدم استمرار حماس أو أي طرف فلسطيني في حكم القطاع ونزع سلاح المقاومة ونفي قادتها خارج القطاع.
قضايا معقدة
ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤول كبير قوله إنه “من الصعب أن نصدق أنه سيتم التوصل إلى اتفاقات خلال أسبوع بشأن قضايا سياسية هامة مثل تلك التي أمامنا، لكننا نعمل بكل الطرق الممكنة من أجل استمرار ديناميكية إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار”.
ويؤكد ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط في تصريحاته الأخيرة صعوبة المفاوضات، حيث يقول “من الصعب إيجاد حل لهذه المشاكل، فالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار معقدة جدا، ومن الصعب إيجاد حلول للمشاكل العالقة فيها، لكن هناك فرصة للنجاح، فلقد نجحنا في إحراز تقدم سابق في المحادثات”.
في المقابل، أصدر نتنياهو تعليماته لفريق التفاوض برئاسة وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر المكلف حديثًا بمواصلة المحادثات مع ويتكوف، ولكنه اشترط أنه مع تحقيق أي تقدم في المحادثات، فإنه سيعقد اجتماعا للمجلس الوزاري السياسي الأمني “الكابينت” لاتخاذ القرار بشأن استمرارها.
وتبدو الصورة معقدة كلما اقتربت المرحلة الثانية من الاتفاق، فقد حاول نتنياهو المماطلة في المرحلة الأولى بقدر ما يستطيع، وفرّغ بعض البنود من مضمونها، والتف على بعضها، لكنه في المحصلة اضطر للالتزام لأن طبيعة الاتفاق مع المقاومة كانت تبادلية، فلضمان إطلاق سراح الأسرى، كان يلزمه تنفيذ ما عليه من التزامات.
لكن المرحلة الثانية -وفقا للمختص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور- وفق الإشارات تدل على أن المفاوضات ستكون معقدة، لأنها ستتناول قضايا سياسية تتعلق بمستقبل غزة والحرب وبترتيبات إقليمية، وبناء على ذلك فإن تل أبيب تحتاج إلى توجيهات مباشرة من الإدارة الأميركية.
سيناريوهات
تطرح عدة سيناريوهات لكيفية استمرار الأمور على المستوى المنظور، من بينها تمديد المرحلة الأولى، بحيث تحصل حركة حماس على بعض الامتيازات المتعلقة بتوسيع إدخال المساعدات والمعدات لقطاع غزة، وزيادة عدد الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال مقابل كل أسير تفرج عنه.
وفيما يبدو احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية شبه مستحيل، فإنه يمكن أن يكون مطروحا للنقاش خصوصا مع إعلان حماس استعدادها للإفراج عن جميع الأسرى مقابل اتفاق نهائي يقضي بوقف إطلاق نار شامل، وانسحاب قوات الاحتلال من كامل القطاع، والبدء بمشروع إعادة الإعمار.
وفيما تبدو فكرة العودة للقتال مجددا مستبعدة من بعض الأطراف، فإن وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يرأسها نتنياهو وتضم مثل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قد يدفع بالأمور إلى حافة الهاوية أو حتى الانفجار.
ويتذرع نتنياهو لعدم استكمال مراحل الصفقة، وينتهج أساليب دعائية مبتذلة بهدف شن حرب مسعورة على الضفة الغربية بدعم شركائه من اليمين المتطرف ولإرضائهم، ومن الممكن أن يتطور الأمر إلى استكمال الحرب في غزة.
وربط المختص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي التعقيدات المتوقعة في المفاوضات بتكليف ديرمر الذي يهدف إلى تعطيل الصفقة وإدخال قطاع غزة، وحماس في دوامة اللاسلم واللاحرب، وإعادة التفاوض على كل ما هو متفق عليه، وابتزاز حماس بأدق التفاصيل.
من جانبه، يوضح عصمت منصور أن الخيارات المطروحة أمام الإسرائيليين، هي “إما تمديد المرحلة الأولى، والضغط على حماس لتحرير أكبر عدد من الأسرى الأحياء، أو الوصول إلى مرحلة ثانية منتقصة، دون الإعلان فيها عن إنهاء الحرب، وترك هامش ضبابي لإسرائيل لتحرك عسكري تحت مزاعم الرد على التهديدات من غزة، وبهذا يتم ضمان استقرار ائتلاف نتنياهو”.
هيمنة أميركية
كان موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاسما في المرحلة الأولى من هذا الاتفاق، ويبدو أنه سيبقى ممسكا بزمام الأمور حتى التوصل إلى اتفاق، وتنقل قناة كان 11 الإسرائيلية عن مصدر مطلع أن الأميركيين مهيمنون للغاية في العملية، وأن مشاركتهم في تحقيق المرحلة الثانية نشطة.
كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت أن ويتكوف يعمل على المرحلة الثانية من الاتفاق وهو “مصمم على تحقيقها، وسيفرض إتمامها على الإسرائيليين”.
وتتوالى التصريحات التي تشير إلى أن الأولوية القصوى للرئيس ترامب في المنطقة هي التوصل لاتفاق مع السعودية “يضعه في مكانة صانع السلام”، لذا فهو سيسعى إلى تذليل كل الصعوبات من أجل صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
ويتعاضد ذلك مع وجود مصالح اقتصادية هائلة مع دول المنطقة، إضافة إلى التعاون معها فيما يتعلق بملف إيران الذي يعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة له.
ويخشى ترامب -كما تقول دفنا ليئيل في مقال نشر بموقع القناة الـ12- من أن الزخم قد يتسرب من بين أصابعه، “فمنذ ولايته الأولى، تعلم أن التحركات الكبيرة تتم في البداية، وليس في النهاية. ولذلك، حتى لو عادت إسرائيل إلى القتال، فإنه لن يوافق على المواجهة في غزة”.
وقد أكدت ذلك أنا براسكي، في مقال نشرته صحيفة معاريف، أن “الرئيس ترامب، على عكس اليمين المتطرف، ليس مستعدا لرحلة طويلة، فبالنسبة له الوقت هو المال”.
وتضيف أن الحرب في غزة حدث غير عادي، تنطبق عليه القاعدة فيما يتعلق بالوقت، فما نجح مع سلفه جو بايدن لن ينجح معه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوقت المحدود للمفاوضات حول شروط إنهاء الحرب في غزة.
أوراق القوة
يسعى ترامب إلى بلورة الاتفاق بما يضمن صفقة مع الرياض تتضمن إنهاء الحرب وإعمار قطاع غزة وتفكيك حماس وإعادة الأسرى، ولزيادة فرص النجاح -كما تقول ليئيل- يحاول ترامب ورجاله إضافة أوراق جديدة إلى الطاولة، مثل نزع السلاح وطرد كبار المسؤولين في المقاومة، وتنفيذ برامج الهجرة.
في المقابل، يوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن المقاومة تملك مجموعة من أوراق القوة، تتمثل بوجودها على الأرض ووجود عشرات الأسرى لديها، إضافة لهامش المناورة الذي اتسع أمامها في مواجهة خطة ترامب، التي باتت ضاغطة على الدول العربية، وليس على المقاومة فقط.
ويرى أن الموقف العربي الرافض لخطة ترامب سيساعد المقاومة على الوصول لتفاهات بأن تكون الخطة المصرية المطروحة مقبولة عليها، وتضمن على الأقل الحد الأدنى الذي تسعى إليه المقاومة.

عودة الحرب والتهجير
رغم إعلان حركة حماس مرارا استعدادها للوفاء بالتزاماتها من أجل إنهاء الحرب، فلا يزال الجانب الإسرائيلي يراوح مكانه، وينقل رونين بريجمان في صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر أمني كبير أن نتنياهو ومن حوله يفعلون كل ما في وسعهم لمنع انتهاء الحرب حتى ولو أدى ذلك إلى التخلي عن الأسرى في غزة الذين من المفترض أن يتم إطلاق سراحهم في المرحلة التالية.
ولم يستبعد منصور عودة الحرب واعتبرها خيارا واردا في مرحلة ما، ولكن يرى أنه من الصعب على الجمهور الإسرائيلي تفهم ذلك، فيما يبدو الموقف الأميركي غير مرحب بتجدد الحرب، لكنها تبقى الخيار غير المحبب للجميع.
لكن من المحتمل أن يستغل نتنياهو الدعم غير المحدود لترامب عبر الضغط بالنار على المفاوض الفلسطيني، وجولات قتالية محدودة، للحصول على مكتسبات عسكرية وسياسية -كما يقول عودة- خصوصًا في ملف الأسرى، واليوم التالي الذي بات من أهم الملفات عند نتنياهو فيما يتعلق بجبهة غزة.
وفيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين من غزة، فقد ظهر واضحا تراجع ترامب عن تصريحاته، بينما اعتبر ويتكوف أن “خطة ترامب لغزة ليست خطة إخلاء للفلسطينيين، لكن الأمر يتعلق بزعزعة عقول الجميع، بينما نقوم بما هو أفضل للشعب الفلسطيني”.
على الطرف المقابل، تسعى حكومة نتنياهو لأخذ الخطة على محمل الجد، لكن مواقف الدول العربية الرافضة لها سيدخل تل أبيب في صدام مع الإدارة الأميركية التي تنظر إلى غزة على أنها أحد الملفات في المنطقة، التي يلزم لحلها التعامل معها كوحدة واحدة دون تجزئة.