مراسلو الجزيرة نت
واشنطن- يرجع ترحيب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد لعلاقته الوثيقة بعدوين رئيسيين لواشنطن هما روسيا وإيران. إلا أن ذلك لم يُترجم تلقائيا بالترحيب بوصول هيئة تحرير الشام لسدة الحكم في دمشق رغم تعهدها “بتصفية الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا”.
لكن ما يوصف بتوجه الهيئة المتشدد يُقلق واشنطن من خطر احتمال وقوع منظومة الحكم السوري في أيدي جماعة أصولية في جوهرها نبذت الإرهاب منذ سنوات قليلة فقط، كما يعتقد الأميركيون.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الإدارة الأميركية على ترسيخ إرث سياستها الخارجية في أسابيعها الأخيرة التي يشهد فيها الشرق الأوسط تغيّرا جذريا مفاجئا عقب سقوط نظام الأسد، يحاول بايدن ترك بصمة على النظام الإقليمي الجديد قبل وصول إدارة جمهورية للبيت الأبيض وبدء مهام الرئيس المنتخب دونالد ترامب في فترة حكم ثانية لا يمكن معها توقع ما قد يُقدم عليه.
أهداف
وتحاول إدارة بايدن، بطرق عدة، التركيز على ما يجب لهيئة تحرير الشام القيام به للبدء في مسار رفعها مما تُسمى “قوائم الإرهاب” الأميركية، والتعامل المباشر معها.
وفي كلمته من البيت الأبيض بعد سقوط الأسد، قال بايدن إن بلاده لها عدة أهداف تعمل عليها الآن، وهي:
- دعم حلفاء واشنطن من جيران سوريا.
- المساعدة لضمان الاستقرار في شرق سوريا.
- حماية القوات الأميركية الموجودة من أي تهديدات مع استمرار مهمتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
- العمل مع جميع الجماعات السورية في عملية سياسية لتأسيس سوريا مستقلة ذات سيادة مع دستور جديد وحكومة جديدة تخدم جميع السوريين.
وأضاف بايدن “سنظل يقظين، ولا يراودكم الشك في أن بعض الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد لها سجلها الخاص من الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. لاحظنا تصريحات قادتها في الأيام الأخيرة وهم يقولون الأشياء الصحيحة الآن. ولكن مع توليهم مسؤولية أكبر، سنقيّم ليس فقط أقوالهم، بل أفعالهم أيضا”.
كما أشار إلى الأميركيين المختفين في سوريا، وعلى رأسهم الصحفي أوستن تايس، الذي تم اعتقاله منذ أكثر من 12 عاما، وتعهد بالعمل على إعادته إلى أسرته.
قضايا أساسية
ويتفق المعلقون المختصون بالسياسة الأميركية تجاه سوريا على وجود 6 قضايا أساسية يمكن لواشنطن من خلالها الحكم على سلوك هيئة تحرير الشام، وهي:
- أولا: كيف ستتعامل الهيئة مع تنظيمي القاعدة والدولة؟ لهيئة تحرير الشام علاقات تاريخية مع التنظيمين. وبعث تخليها عن التطرف والابتعاد عنهما رسائل مبكرة مشجعة حول تسامحها وبرغماتيتها، رغم أنها لا تزال على القائمة الأميركية الرسمية “للجماعات الإرهابية”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، ذكر الأستاذ بجامعة ميشيغان، خوان كول، أن هناك مخاوف مشروعة من أن تصبح سوريا الآن ملاذا لمزيد من جماعات القاعدة أو تنظيم الدولة. وقال “لديهما فرصة، خاصة إذا فشلت الحكومة الجديدة في توفير الخدمات الأساسية، وإذا بدت أنها أضعف من أن تتصدى للتوسع الإسرائيلي”.
وفي ظهور أمام لجنة التحقيق حول أفغانستان بمجلس النواب الأميركي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنه “غير واثق” من أن زعيم الهيئة أحمد الشرع (الجولاني) سيحمي الأقليات في سوريا، وأضاف “لقد شجعتني حقيقة أنهم قالوا الشيء الصحيح، ولكن ما يجب أن نركز عليه هو ما إذا كانوا يفعلون الأمر الصائب”.
- ثانيا: تعامل الهيئة مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين: من الصعب التقليل من مدى تقلب الوضع بالنسبة لجيران سوريا من حلفاء واشنطن خاصة إسرائيل والأردن وتركيا، إضافة للعراق ولبنان. وتُظهر دبلوماسية بلينكن المكوكية قلقا أميركيا وحذرا من وقوع أي أعمال مفاجئة مزعزعة للاستقرار.
ويشغل واشنطن كيف ستتعامل سوريا الجديدة مع أنقرة التي تعد أهم داعم للهيئة. وبدأت القوات التركية في قصف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المتحالفة مع الولايات المتحدة. وستراقب واشنطن عن كثب علاقة الهيئة بأكراد سوريا خاصة بعدما أعلنت الهيئة عن سيطرتها على مدينة دير الزور، ومطارها العسكري.
- ثالثا: علاقة الهيئة بأعداء واشنطن، روسيا وإيران: أحد المكاسب الكبيرة للسياسة الخارجية الأميركية يتمثل في الانتكاسة الهائلة التي أصابت خصومها في طهران وموسكو تحديدا. ومن هنا، يتوقع المعلقون أن تكون هيئة تحرير الشام حذرة للغاية بشأن أي تجديد للنفوذ الإيراني، لكن روسيا قد تكون موضوعا أكثر حساسية، حيث أشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن موسكو تقترب من التوصل إلى اتفاق مع القيادة السورية الجديدة للاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين داخل سوريا.
استعداد للتعاون
- رابعا: معضلة الأسلحة الكيميائية السورية: تشعر واشنطن بالقلق على مصير مخزونات الأسلحة الكيميائية لدى الجيش السوري. وأكد بلينكن أن بلاده وحلفاءها يشعرون بالقلق من أن يؤدي انهيار الجيش والقوات الأمنية الأخرى، والفوضى التي تعم البلاد، إلى استيلاء “مجموعات إرهابية” على الأسلحة الخطيرة التي امتلكها نظام الأسد.
- خامسا: مصير الصحفي المسجون أوستن تايس: ليس لدى كبار مسؤولي الإدارة الأميركية أدلة مؤكدة على أن تايس لا يزال على قيد الحياة. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إنهم “لن يدخروا جهدا في السعي للعثور عليه”، وأضاف “هذه أولوية قصوى بالنسبة لنا لتحديد موقع السجن الذي قد يحتجز فيه وإعادته إلى وطنه وعائلته”.
من جانبها، أفادت هيئة تحرير الشام بأنها تريد أن تُبقي على الجيش السوري، وقال مصدر في إدارة الشؤون السياسية في دمشق إنه -بتوجيه مباشر من القيادة العامة- يجري البحث عن تايس المحتجز في سوريا منذ عام 2012. وعبرت الهيئة عن استعدادها للتعاون المباشر مع الإدارة الأميركية لاستكمال البحث عن المواطنين الأميركيين المغيبين من قبل نظام الأسد.
يُذكر أنه في وقت سابق، أمس الخميس، تم العثور على المواطن الأميركي ترافيس تيمرمان في بلدة الذيابية جنوب دمشق، وذلك بعد تحريره هو ومعتقلين آخرين من السجن بعد سقوط النظام السابق.
- سادسا: احترام حقوق الأقليات والنساء: أصبحت هذه المسألة أحد المقررات الأميركية في حكمها على نظم الحكم الجديدة في دول الشرق الأوسط.
وفي مؤتمر صحفي بالأردن، أكد بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال شامل للسلطة الشامل الذي يفضي إلى حكومة سورية تمثيلية وخاضعة للمساءلة يختارها الشعب السوري.
وشدد على أهمية أن تحترم السلطة الجديدة وكافة الجهات الفاعلة في سوريا حقوق الإنسان، وأن تلتزم بالقانون الدولي، وتتخذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الأقليات.