يمكن العثور على أدوات وخدمات التزييف العميق في أسواق الإنترنت المظلم، وتشتمل هذه الخدمات على إنشاء مقاطع فيديو بباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لأغراض متنوعة، تشمل: الاحتيال والابتزاز وسرقة البيانات السرية. وقد تختلف أسعار إنشاء مقاطع الفيديو بتقنية التزييف العميق تبعًا لمدى تعقيد المشروع وجودة المنتج النهائي.
وتشير تقديرات خبراء كاسبرسكي إلى أن أسعار الدقيقة الواحدة لإنشاء مقطع فيديو بتقنية التزييف العميق قد تتراوح من 300 دولار إلى 20 ألف دولار، وقد كشفت شركة كاسبرسكي عن هذه المعطيات في الملتقى السنوي الثامن للأمن السيبراني لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا (Cyber Security Weekend – META 2023) الذي عُقد في مدينة ألماتي الكزخية.
أجرى خبراء كاسبرسكي تحليل شمل العديد من أسواق الإنترنت المظلم، والمنتديات السرية التي تقدم خدمات إنشاء مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية لأهداف خبيثة مختلفة، وقد وجدوا أنه في بعض الحالات قد يطلب الأفراد أهدافًا محددة لإنشاء التزييف العميق، مثل: المشاهير أو الشخصيات السياسية.
ويستخدم مجرمو الإنترنت تقنيات الذكاء الاصطناعي بعدة طرق في الأنشطة غير القانونية، ويعتمدون أيضًا على تقنية التزييف العميق لإنشاء مقاطع فيديو أو صور مزيفة يمكن استخدامها للاحتيال على الأفراد أو المؤسسات. وعلى سبيل المثال، يمكنهم إنشاء مقطع فيديو مزيف لرئيس تنفيذي يطلب تحويلًا أو يعطي تصريحًا بالدفع من أجل استخدامه لسرقة أموال الشركة.
ويمكن استخدام مقاطع الفيديو والصور المزيفة أيضًا لسرقة الأموال أو المعلومات من الأفراد، ويستطيع مجرمو الإنترنت أيضًا استخدام تقنية التزييف العميق لنشر معلومات كاذبة، أو التلاعب بالرأي العام. ومن الأمثلة على ذلك إنشاء مقطع فيديو مزيف لشخصية سياسية تدلي بتصريحات مثيرة للجدل تُستغل للتأثير في نتيجة الانتخابات.
ويمكن استخدام تقنية التزييف العميق لتجاوز التحقق في خدمات الدفع، وذلك عن طريق إنشاء مقاطع فيديو مزيفة تكاد تكون واقعية أو تسجيلات صوتية لمالك الحساب الشرعي، لخداع مزودي خدمة الدفع، للاعتقاد بأنهم المالك الفعلي للحساب، وبذلك يستطيعون الوصول إلى الحساب، ومن ثم الاستيلاء على المبالغ المالية الموجودة فيه.
وتستخدم تقنية التزييف العميق على نحو متزايد في محاولات الابتزاز والاحتيال. فعلى سبيل المثال، خدع محتال عبر الإنترنت الرئيس التنفيذي لشركة بريطانية تعمل في مجال الطاقة لتحويل مبلغ قدره 243 ألف دولار، واعتمد في هذه العملية على التزوير الصوتي لرئيس الشركة الأم يطلب فيها تحويل الأموال في حالات الطوارئ. وأسفرت العملية عن تحويل مبلغ إلى الحساب المصرفي للمحتال.
وأثيرت الشكوك حول العملية ذاتها عندما طلب المجرم تحويلاً آخر، ولكن كان قد فات الأوان حينها لاستعادة الأموال التي حُولت في المرة الأولى. كما أُبلغ عن حالة مماثلة في الإمارات العربية المتحدة، إذ سرق مبلغ قدره 400 ألف دولار في عملية احتيال اعتمدت أيضًا على التزييف العميق للصوت.
وقال (فلاديسلاف توشكانوف) كبير علماء البيانات في شركة كاسبرسكي معلقًا على هذه الممارسات: “من المهم أن نتذكر أن التزييف العميق لا يمثل تهديدًا للشركات فحسب، بل إنه يهدد أيضًا المستخدمين الأفراد، إذ يستطيع هؤلاء المجرمون نشر معلومات مضللة، أو استخدامها في عمليات الاحتيال، أو انتحال شخصية ما، ومن ثم فإننا نرى أن زيادة مستوى المعرفة الرقمية لدى المستخدم يعتبر الحل الأمثل من أجل التصدي لمثل هذه التهديدات”.
وتوفّر المراقبة المستمرة لموارد الإنترنت المظلم رؤى مهمة في قطاع التزييف العميق، لاسيما وأن ذلك يتيح للباحثين تتبع أحدث توجهات الجهات الفاعلة في مجال التهديدات الرقمية وأنشطتها، ومن خلال مراقبة الإنترنت المظلم، يستطيع الباحثون اكتشاف أدوات وخدمات وأسواق جديدة تُستخدم لإنشاء مقاطع التزييف العميق وتوزيعها.
ويعتبر هذا النوع من المراقبة عنصرًا حاسمًا في أبحاث التزييف العميق، كما يساعدنا في الارتقاء بمستوى فهمنا لمشهد التهديد المتطور. وتتضمن خدمة (Digital Footprint Intelligence) التي توفرها شركة كاسبرسكي هذا النوع من المراقبة لمساعدة عملائها في الاطلاع الدائم على التهديدات المتعلقة بالتزييف العميق.
وللحماية من التهديدات المتعلقة بالتزييف العميق، توصي كاسبرسكي بما يلي:
- التحقق من ممارسات الأمن السيبراني التي تستخدمها مؤسستك، ولا يقتصر ذلك فقط على شكل البرامج، ولكنه يشتمل أيضاً على مهارات تقنيات المعلومات المتطورة. ويمكن استخدام (Kaspersky Threat Intelligence) كحل استباقي في المشهد الحالي للتهديدات.
- تعزيز (جدار الحماية البشري) للشركة: تأكد من فهم الموظفين تقنية التزييف العميق، وكيفية استخدامها، وتحدياتها. واحرص على إطلاق الحملات التوعوية والتعليمية المستمرة حول سبل اكتشاف التزييف العميق. وتساعد منصة Kaspersky Automated Security Awareness Platform في الاطلاع الدائم على أحدث التهديدات وزيادة مستويات المعرفة الرقمية.
- استخدام مصادر الأخبار الجيدة: تعدّ المعرفة المعلوماتية عاملًا مساعدًا وحاسمًا لانتشار التزييف العميق.
- تطبيق بروتوكولات جيدة مثل (التحقق قبل الثقة): إن اتخاذ مواقف متشككة تجاه رسائل البريد الصوتي ومقاطع الفيديو يساعد على تجنب الخداع، وتفادي الوقوع في العديد من المصائد الأكثر شيوعًا.
- امتلاك الدراية بالخصائص الرئيسية لمقاطع الفيديو المزيفة العميقة التي يجب البحث عنها لتجنب الوقوع ضحية لهذه الممارسات، ومن الخصائص التي ينبغي رصدها: الحركات المتشنجة، والتغيرات في الإضاءة من إطار إلى آخر ضمن المقطع ذاته، والتغيرات في لون البشرة، وظهور وميض غريب بالعينين أو عدم وجود وميض على الإطلاق، ومزامنة حركة الشفتين بشكل سيئ عند التكلم، والمؤثرات الرقمية على الصورة، وتشفير الفيديو بجودة منخفضة عن قصد مع وجود الإضاءة الرديئة.