كتب_أحمد زكي : مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المصرية المقرر انطلاقها في مطلع شهر نوفمبر القادم، تشهد مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا حالة من الحراك السياسي الميداني المكثف، تمثلت في انتشار واسع ولافت للافتات الدعاية الانتخابية في الشوارع والميادين العامة والرئيسية، في مشهد يعكس من جانبٍ الحماسة الانتخابية، لكنه من جانب آخر يثير التساؤلات حول مدى الالتزام بمعايير التنظيم والمحافظة على المظهر الجمالي والبيئي للمدينة.
ازدحمت شوارع وميادين مدينة نجع حمادي خلال الأيام الماضية بموجة كثيفة من اللافتات الانتخابية التي نُصبت على أعمدة الإنارة، وأسطح المحال التجارية، وجدران الأبنية، وامتدت إلى المساحات الخضراء والمناطق العامة، مما خلق حالة من الازدحام البصري والعشوائية التنظيمية في المشهد العام للمدينة.
وتنوّعت أشكال الدعاية بين الملصقات الورقية العملاقة واليافطات القماشية الضخمة واللافتات المعدنية الحديثة، التي تداخلت في كثير من المواقع بشكل غير منسق، في ظل غياب واضح للتوزيع المنظم أو التنسيق بين المرشحين. وقد أثار ذلك استياء بعض المواطنين الذين رأوا أن الزخم الدعائي تجاوز حدود الجمال الحضري، وأضر بالمشهد البيئي العام.
وقال عدد من الأهالي إنهم يقدّرون الحراك الديمقراطي والتنافس الانتخابي، لكنهم يأملون في أن يتم تنظيم الحملات الدعائية وفق ضوابط واضحة تراعي المظهر العام وتحافظ على نظافة المدينة، خاصة وأن إزالة هذه اللافتات بعد انتهاء الانتخابات غالبًا ما تتسبب في تراكم المخلفات وتشويه المنظر الحضاري.
وفي المقابل، يرى آخرون أن هذا المشهد هو تعبير طبيعي عن حيوية الحياة السياسية وعودة الروح الانتخابية إلى الشارع، خصوصًا مع اقتراب موعد الاستحقاق البرلماني الذي يمثل محطة مهمة في تعزيز المشاركة الشعبية وصوت المواطن في صناعة القرار.
ويؤكد عدد من الخبراء المحليين أن ما تشهده نجع حمادي اليوم يعكس غياب آليات واضحة لتنظيم الدعاية الانتخابية الميدانية، داعين إلى ضرورة وجود تنسيق مسبق بين السلطات المحلية والمرشحين لتخصيص أماكن محددة وآمنة لتعليق اللافتات دون الإضرار بالبيئة أو المرافق العامة، وذلك في إطار احترام معايير الجمال الحضاري للمدينة.
كما أشار بعض المتابعين إلى أن مشهد اللافتات المتراصة في كل شارع وناصية قد أفقد المدينة جزءًا من رونقها الجمالي، لا سيما في الميادين الحيوية مثل ميدان العروبة وشارع البحر وكورنيش النيل، حيث تغيب الرؤية الجمالية لصالح الحضور الدعائي الكثيف.
ومع اقتراب بداية شهر نوفمبر، يبدو أن المدينة تستعد لمرحلة سياسية جديدة، لكن المشهد الميداني الحالي يسلط الضوء على التحدي المزدوج بين الممارسة الديمقراطية والانضباط الحضاري، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً يحفظ للناخبين حقهم في التعبير، وللبيئة حقها في الجمال والنظام.
من منظور أكاديمي، يُعدّ مشهد امتلاء الشوارع بلافتات الدعاية الانتخابية في نجع حمادي مؤشرًا مزدوج الدلالة؛ فهو من جهة يعكس نشاطًا سياسيًا وشعبيًا إيجابيًا يعبر عن وعي متزايد بأهمية المشاركة في العملية الديمقراطية، لكنه من جهة أخرى يطرح تساؤلات حول مستوى الوعي البيئي والتنظيمي في الممارسات الانتخابية المحلية.
وتشير الدراسات الحديثة في مجالات التنمية المستدامة والإدارة المحلية إلى أن التحول الديمقراطي لا ينفصل عن مفهوم المواطنة البيئية، حيث ينبغي أن تُمارس الحرية السياسية في إطار من المسؤولية الاجتماعية واحترام الفضاء العام. فالتنافس الانتخابي الناضج لا يقاس بعدد اللافتات أو حجم الصور، بل بمدى التزام المرشحين بمعايير الجمال الحضاري والتنظيم المدني.
إن ما تشهده نجع حمادي اليوم يمثل فرصة لإعادة التفكير في آليات تنظيم الدعاية الانتخابية بما يحقق التوازن بين التعبير الديمقراطي والمحافظة على البيئة الحضرية، ويعكس نموذجًا متطورًا للتكامل بين السياسة والثقافة والوعي المجتمعي، في ظل سعي الدولة المصرية نحو تعزيز قيم التحضر والمواطنة المستدامة.
أكاديمي يؤكد أنها ظواهر موسمية .
وفي هذا السياق، صرّح الدكتور محمود عبدالغفار، أستاذ الإعلام والاتصال السياسي بجامعة جنوب الوادي، بأن الظواهر المصاحبة للمواسم الانتخابية تحتاج إلى قدر من الانضباط المؤسسي والوعي المجتمعي؛ فالمنافسة السياسية لا يجب أن تُترجم إلى فوضى بصرية أو تلوث بيئي.
وأضاف أن الدعاية الانتخابية تمثل جزءًا من الثقافة السياسية العامة، وهي فرصة لتأكيد قيم الانتماء والمسؤولية، مؤكدًا أن المدن المتحضّرة تُقاس بمدى قدرتها على تحقيق التوازن بين التعبير السياسي المنظم والمحافظة على الجمال العام، داعيًا المرشحين والجهات المحلية إلى التعاون في وضع ضوابط حضارية تعكس الوجه المشرق للممارسة الديمقراطية في صعيد مصر.

