كتبت- سها ممدوح: يواصل الأردن ترسيخ موقعه في صدارة وجهات السياحة العلاجية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محققاً نمواً في أعداد السيّاح القادمين لتلقي الرعاية الطبية التخصصية والعلاج الطبيعي خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025.
ويأتي هذا الأداء المتميز امتداداً لعام ناجح استقبل فيه الأردن أكثر من 224,000 زائر بغرض العلاج في 2024، مواصلاً مسار نمو ثابت بدأ بـنحو 191,532 زائر في 2022 وارتفع إلى 202,592 في 2023. ويستند هذا النمو إلى ركيزتين أساسيتين: الأولى، تنامي خدمات الرعاية الصحية التخصصية المدعومة بخبرات نخبة من الأطباء المتخصصين والكوادر الطبية ذوي الكفاءة العالية؛ والثانية، ما تزخر به المملكة من مقومات طبيعية فريدة تمنح الجسد فرصة للشفاء والنفس مساحة للسكينة.
ويشهد سوق السياحة العلاجية العالمي اليوم نمواً ملحوظاً، إذ تراوحت قيمته بين 31.23 مليار و41.79 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع توقعات بتجاوز حاجز 160 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032. وعلى مدى عقود متوالية، شكّلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، رافداً رئيسياً للسياحة العلاجية الخارجية، إذ تشير التقديرات إلى أن الكويت وحدها ترسل نحو 650 مريضاً شهرياً للعلاج في الخارج، بتكلفة سنوية تلامس المليار دولار أمريكي، فيما أفادت وزارة الصحة السعودية بإيفاد 2,400 مريض لتلقي العلاج خارج المملكة، بتكلفة قاربت 800 مليون دولار أمريكي.
وفي ضوء هذه المعطيات، برز الأردن كوجهة رائدة للسياحة العلاجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، محققاً إيرادات سنوية تتجاوز مليار دولار أمريكي، بما يعادل نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد استقبلت المملكة أكثر من 51,448 زائراً بغرض العلاج والاستشفاء خلال الربع الأول من عام 2025، لترتفع الحصيلة إلى 92,776 زائر حتى نهاية شهر مايو، مسجّلة نمواً بنسبة 16.5% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مما يضع القطاع على أعتاب تحقيق إنجاز جديد هذا العام.
وتحظى المملكة الأردنية بجاذبية خاصة في مجال السياحة العلاجية لدى دول مجلس التعاون الخليجي والدول المجاورة، إذ يتوافد إليها سنوياً عدد كبير من السياح بغرض العلاج من دول مثل العراق، والمملكة العربية السعودية، وفلسطين، وسوريا، واليمن، وليبيا، فضلاً عن دول خليجية أخرى.
وقال الدكتور عبد الرزاق عربيات، المدير العام لهيئة تنشيط السياحة الأردنية: “يعود إرث قطاع السياحة العلاجية في الأردن إلى سبعينيات القرن الماضي، حين برزت المملكة كإحدى أبرز وجهات الرعاية الطبية في المنطقة. ويواصل هذا القطاع اليوم تحقيق نمو استثنائي، مثبتاً مكانته كوجهة علاجية مفضلة على المستويين الإقليمي والعالمي.”
ومن أبرز الإنجازات التي حققتها المملكة في القطاع الصحي إجراء أول عملية قلب مفتوح عام 1970، تلتها أول عملية لزراعة الكلى عام 1972. كما سجّل مركز الحسين للسرطان إنجازات طبية لافتة، من بينها إجراء 250 عملية لزراعة النخاع العظمي في عام 2022 وحده، بنسبة نجاح تجاوزت 85%، وهي نسبة تضاهي وتوازي أفضل المعدلات العالمية.
وأضاف الدكتور عربيات: “يعود النمو في قطاع السياحة العلاجية بالدرجة الأولى إلى ما تقدمه مستشفياتنا من خدمات رعاية صحية عالمية المستوى، وإلى الشعبية الكبيرة التي تحظى بها مواقعنا العلاجية الطبيعية، فضلاً عما تتميز به المملكة من ضيافة عربية أصيلة. وما يميز قطاع السياحة العلاجية في الأردن هو الجمع بين الرعاية الطبية عالية الجودة والتكلفة التنافسية التي نوفرها داخل المملكة، إلى جانب تنوع المقومات الطبيعية التي تعزز صحة المرضى ورفاهية مرافقيهم.”
وتشير التقديرات إلى أن وفورات التكلفة الكبيرة تمثل عامل الجذب الأهم لروّاد السياحة العلاجية من مختلف أنحاء العالم، إذ تقل أسعار العلاج في الأردن بنحو 25% إلى 40% مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، بل وتتفوّق المملكة من حيث التنافسية على وجهات عالمية بارزة في هذا المجال مثل الهند وسنغافورة وتايلاند، حيث تقل الأسعار فيها بنسب تتراوح بين 5% و10%.
يتمتع القطاع الصحي في الأردن بمنظومة عالمية المستوى تضم أكثر من 120 مستشفى ومركزاً طبياً، من بينها 71 منشأة خاصة و47 منشأة صحية عامة. وتحظى العديد من هذه المرافق باعتمادات دولية مرموقة من منظمات مثل اللجنة الدولية المشتركة، والمجلس الأردني لاعتماد المؤسسات الصحية، ما يضمن للسائحين العلاجيين أعلى معايير رعاية المرضى وسلامتهم.
وتُعد مستشفيات الأردن التخصصي، والعبدلي، والكندي، وابن الهيثم، والمركز العربي الطبي، ومركز الحسين للسرطان من أبرز المؤسسات في القطاع الخاص، في حين تتصدر مدينة الحسين الطبية التابعة للخدمات الطبية الملكية، ومستشفى البشير قائمة المؤسسات الصحية العامة المفضلة لدى السياح العلاجيين.
ومن بين نقاط القوة الأخرى التي بتميز بها الأردن امتلاكه كادراً طبياً يزيد على 30,000 متخصص، كثير منهم تلقوا تعليمهم في جامعات غربية ويحملون شهادات بورد معتمدة، ويقدمون طيفاً واسعاً من العلاجات التخصصية تشمل جراحات القلب المتقدمة، وعلاج الأورام، وعمليات العظام، وعلاجات الخصوبة. كما يسهم غياب قوائم الانتظار الطويلة لإجراء العمليات، إلى توافر الطواقم الطبية والجراحين الناطقين باللغة الإنجليزية، في تعزيز راحة المرضى وثقتهم.
وتكمل المرافق الطبية المتطورة في المملكة مواقع علاجية طبيعية فريدة تسهم في تعزيز تعافي المرضى وتحسين صحتهم العامة. ويُعد البحر الميت، الواقع على عمق 400 متر تحت مستوى سطح البحر، وجهة علاجية استثنائية بفضل مياهه الغنية بالمعادن والتي تحتوي على نسبة ملوحة تبلغ 33%. كما تشتهر حمامات ماعين المعدنية، التي تصل درجة حرارة مياهها الغنية بالمعادن إلى 60 درجة مئوية، بفوائدها العلاجية في التخفيف من الأمراض الجلدية وآلام المفاصل ومشكلات الدورة الدموية.
تشكل السياحة العلاجية رافداً مهماً للاقتصاد الوطني والدخل القومي، وتوفر آلاف فرص العمل، وتنعش قطاعات متعددة مرتبطة بها بشكل مباشر وغير مباشر. وتُظهر التقديرات أن السائح العلاجي ينفق ما بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف ما ينفقه السائح العادي، نظراً لطول فترة إقامته وما تتطلبه من خدمات متنوعة.
وتملك المملكة بنية تحتية فندقية وضيافية متكاملة تدعم ازدهار قطاع السياحة العلاجية، حيث توفر طيفاً واسعاً من خيارات الإقامة التي تلبي احتياجات المرضى ومرافقيهم. ويعزز هذه المنظومة سهولة التنقل عبر خدمات التوصيل من وإلى المرافق الطبية والعلاجية، إلى جانب خدمات ترجمة متخصصة متاحة بعدة لغات، بإشراف مكاتب وشركات متخصصة، لضمان تجربة علاجية سلسة منذ لحظة الوصول وحتى العودة.
وتابع الدكتور عربيات، قائلاً: “إن تنوّع التخصصات الطبية المتاحة في الأردن، مقروناً بمواقعنا العلاجية الطبيعية وكفاءاتنا الصحية المؤهلة، قد أرسى منظومة متينة ومستدامة للسياحة العلاجية. وقد ركّزنا طيلة السنوات الماضية على الترويج لمقوماتنا في هذا القطاع الحيوي عبر حملات إعلانية رقمية موجهة، وأفلام ترويجية، وجولات تعريفية لوسائل الإعلام والوفود الطبية، وكلها عوامل ساهمت في ترسيخ مكانة المملكة كوجهة عالمية المستوى للرعاية الطبية.
اقرأ أيضًا: