كتب – أحمد زكي : في مشهد روحاني يختلط فيه الحنين بالصمود، يواصل دراويش الطرق الصوفية ومحبوها في السودان إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، رغم ما تعانيه البلاد من ويلات الحرب والاضطرابات. وعلى وقع الأناشيد والذكر وحلقات السماع الصوفي، تعلو أصوات المحبين لتؤكد أن روحانيات المولد تبقى أقوى من قسوة الظروف، وأن محبة الرسول ﷺ توحّد القلوب في مواجهة المحن.
طقوس متجذرة في الوجدان السوداني.
تنتشر الاحتفالات في الزوايا والساحات الصوفية بمختلف المدن السودانية، حيث يحرص المريدون على إحياء طقوسهم التراثية، بدءًا من حلقات الذكر والمدائح النبوية، وصولاً إلى مواكب السماع التي تضفي على الأجواء طابعًا روحانيًا خاصًا. وتُعد هذه المظاهر تعبيرًا عن عمق الارتباط الروحي بالتصوف الذي يشكل مكوّنًا أصيلًا في الهوية السودانية، حيث تحتضن البلاد عشرات الطرق الصوفية ذات التأثير الواسع.
البعد الثقافي والاجتماعي.
رغم الظروف الصعبة، تمثل هذه الاحتفالات فرصة لتجديد الروابط الاجتماعية وتعزيز قيم التكافل بين الناس، إذ تتوزع الموائد، وتُقدّم الحلوى الشعبية الخاصة بالمولد، في رسالة تؤكد أن البهجة الروحانية قادرة على مواجهة أجواء الحرب. كما أن تجمعات المريدين والدراويش تعكس صورة من صور المقاومة الثقافية التي تحافظ على التراث وتدافع عن الهوية.
البعد السياحي والأكاديمي.
لا تقتصر أهمية هذه الاحتفالات على بعدها الديني والاجتماعي، بل تمتد إلى بعدها السياحي والثقافي العالمي. فالتصوف في السودان يجذب اهتمام الباحثين والدارسين من مختلف أنحاء العالم، إذ تمثل طقوس المولد مادة ثرية للدراسات الأكاديمية في مجالات الأنثروبولوجيا، والتاريخ الديني، والسياحة الثقافية. كما تشكل هذه الفعاليات عامل جذب للزوار المهتمين بالتراث الصوفي الإفريقي، بما يعزز مكانة السودان كوجهة روحية وثقافية رغم التحديات.
رسالة أمل وسط الدمار.
قال الشيخ عبد الرحيم ود البصير، أحد مشايخ الطرق الصوفية في الخرطوم: “إننا نحيي المولد النبوي الشريف هذا العام رغم ويلات الحرب، لأن محبة النبي ﷺ هي سر بقائنا وصمودنا. نريد أن نوصل رسالة للعالم أن السودان ما زال حيًا بروحانيته وثقافته، وأن التصوف سيظل منارة تهدي القلوب مهما اشتدت الأزمات.”
إن إحياء المولد النبوي في السودان هذا العام يؤكد أن الروحانية يمكن أن تكون مصدر قوة في مواجهة الانكسارات. فالدراويش ومحبو الطرق الصوفية يبعثون برسالة للعالم مفادها أن محبة النبي ﷺ أقوى من الحرب، وأن الثقافة الشعبية قادرة على البقاء والاستمرار، مهما كانت الظروف.


إقرأ أيضاً :