كتب – أحمد زكي : في الوقت الذي تبحث فيه الدول عن سبل مبتكرة لتنشيط الاقتصاد السياحي، تبرز سياحة المؤتمرات كواحدة من الأدوات الأكثر فعالية وأقل تأثرًا بالتقلبات الموسمية. وتعد مصر من الدول التي بدأت مؤخرًا في التركيز على هذا النوع من السياحة، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة في بعض المدن، وتاريخها الطويل كمركز إقليمي للقاءات الدولية. إلا أن التساؤلات تظل مطروحة حول مدى قدرة هذا النوع من السياحة على إحداث أثر فعلي ومستدام في الاقتصاد المحلي، ومدى جاهزية الدولة لاستثماره بأفضل صورة.
يسعى موقع “تورزم ديلي نيوز”، إلى استكشاف واقع سياحة المؤتمرات في مصر، وتحليل آثارها الاقتصادية والثقافية، مع الكشف عن التحديات التي تواجهها، وتقديم مقترحات عملية لتعزيز دورها في صناعة السياحة.
السياحة المؤتمرية كفرصة نوعية.
تعتمد سياحة المؤتمرات على جذب الزوار لحضور فعاليات رسمية أو مهنية مثل الاجتماعات، المعارض، والندوات الدولية. وتمتاز هذه الفئة من السياح بارتفاع متوسط إنفاقهم، وطول مدة إقامتهم، فضلاً عن ارتباطهم بخدمات ذات جودة عالية مثل الفنادق الكبرى، وخدمات النقل المتميزة، والتقنيات المتقدمة. وتشير تقديرات دولية إلى أن هذه السياحة تضخ تريليونات الدولارات سنويًا في الاقتصاد العالمي، ما يجعلها خيارًا جذابًا لدول تبحث عن تنويع مصادر دخلها السياحي.
مصر على الخريطة الدولية.
شهدت مصر خلال الأعوام الأخيرة نمواً ملحوظاً في عدد المؤتمرات والفعاليات الكبرى التي تستضيفها، خاصة في مدن مثل شرم الشيخ والقاهرة والعلمين الجديدة. من أبرز هذه المؤتمرات مؤتمر المناخ العالمي COP27، الذي احتضنته شرم الشيخ وشارك فيه عشرات الآلاف من الخبراء والمسؤولين الدوليين، إلى جانب منتدى شباب العالم الذي بات منصة سنوية للتواصل بين الثقافات. كما نظمت مصر مؤتمرات علمية وطبية وتجارية وجامعية، عكست قدرتها التنظيمية وتنوع بنيتها التحتية.
هذا الحراك وضع مصر مجددًا على خريطة الفعاليات العالمية، لكنه لم يتحول بعد إلى مردود سياحي دائم بسبب عدد من العوامل المرتبطة بالإدارة والترويج والاستدامة.
التأثير الاقتصادي والسياحي.
يتميز الزوار المشاركون في المؤتمرات بارتفاع قدرتهم الشرائية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الفنادق، وشركات النقل، والمطاعم، والمتاجر المحلية. كما تنتعش الصناعات المساندة مثل خدمات الترجمة، والطباعة، والأمن، وتقديم الضيافة.
غير أن هذا التأثير لا يزال محدودًا في الزمان والمكان. فمعظم الفعاليات تتركز في مواسم معينة، ولا تمتد آثارها إلى المجتمع المحلي إلا بقدر محدود. كما أن بعض المدن التي تستضيف المؤتمرات لا تستثمر الحدث في الترويج لنفسها كوجهة سياحية لاحقًا.
شهادات من الواقع.
مدير تسويق بإحدى الشركات المنظمة للمعارض أشار إلى وجود عقبات إدارية وبيروقراطية تتكرر مع كل فعالية، ما يجعل بعض المنظمين الدوليين يترددون في اختيار مصر.
وفي أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، أوضحت مسؤولة العلاقات الدولية أن الفندق يمتلك إمكانيات استضافة ممتازة، لكنه يفتقر إلى الربط مع شبكات عالمية للترويج الفعاليات وجذب المؤتمرات الكبرى.
أما أحد الخبراء في مجال السياحة، فقد شدد على أن نجاح هذا النوع من السياحة لا يرتبط بالبنية التحتية وحدها، بل يعتمد أيضاً على التسويق المستمر وبناء علاقات دولية طويلة الأجل.
تحديات تحتاج إلى تفكيك.
تواجه سياحة المؤتمرات في مصر عدة تحديات هيكلية، أبرزها غياب الترويج الخارجي المنظم عبر شبكات متخصصة، ونقص الكفاءات المدربة في مجالات حساسة مثل إدارة الفعاليات والبروتوكول والترجمة الفورية. كما يظهر ضعف في التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة، وعدم وجود استراتيجية وطنية موحدة لتوزيع الفعاليات على مختلف المدن.
البنية الرقمية لا تزال بحاجة إلى تطوير، خاصة في مجالات التسجيل الإلكتروني، المتابعة اللحظية، وتحليل بيانات الحضور. كما أن الفعاليات الكبرى غالباً ما تنتهي دون خطة واضحة لتحويل المشاركين إلى زوار دائمين في المستقبل.
رؤى عالمية ملهمة.
دول عدة نجحت في تحويل سياحة المؤتمرات إلى رافعة اقتصادية حقيقية، مثل الإمارات التي خصصت هيئة مستقلة لهذا النوع من السياحة، وتركيا التي أنشأت مراكز عملاقة للمعارض في إسطنبول، وسنغافورة التي دمجت هذا النمط في استراتيجيتها الوطنية مع الاعتماد على أدوات رقمية متقدمة لإدارة الفعاليات.
مقترحات لتعظيم العوائد.
النهوض بسياحة المؤتمرات في مصر يتطلب إنشاء هيئة مستقلة تختص بهذا القطاع، مزودة بإمكانيات ترويج رقمية وعلاقات دولية. كما يمكن إطلاق منصة إلكترونية وطنية مخصصة لتسجيل وتنظيم المؤتمرات والمعارض، تربط بين الجهات المنظمة والوزارات والمشاركين.
ينبغي أيضاً تدريب كوادر مهنية متخصصة، وتوسيع قاعدة المدن القادرة على استضافة المؤتمرات من خلال دعم البنية التحتية وتطوير الكفاءات المحلية.
من المهم كذلك ربط كل فعالية ببرامج ترفيهية وسياحية موازية، حتى يتحول المشاركون في المؤتمرات إلى سفراء دائمين للسياحة المصرية.
سياحة المؤتمرات في مصر تمثل فرصة نوعية لإعادة تشكيل الخريطة السياحية بعيدًا عن النمط الترفيهي التقليدي، لكنها لا تزال بحاجة إلى حوكمة مرنة، وترويج ذكي، واستثمار استراتيجي طويل المدى. تحويل المؤتمرات من أحداث عابرة إلى منصات تنموية دائمة يتطلب رؤية وطنية متكاملة، تُشرك فيها كل مكونات الدولة، وتضع مصر على طريق التنافس الحقيقي مع أبرز العواصم العالمية في هذا المجال.


إقرأ أيضاً :