كتبت- دعاء سمير: أطلقت الهيئة العامة للطيران المدني تقريرها الثاني ضمن سلسلة تقارير تحليلية، بعنوان «رؤية من الداخل: الطيران المدني في دولة الإمارات»، وأكد التقرير أن دولة الإمارات تواصل بناء منظومة متكاملة لسلامة الطيران، تُصنّف اليوم بين الأكثر أماناً على مستوى العالم، حيث حصلت الدولة على درجة 98.86 % في برنامج التدقيق الشامل للرقابة على السلامة التابع لمنظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، وهو من أعلى المعدلات العالمية، وذلك بفضل نهج رقابي صارم، وتوظيف التكنولوجيا، وتطوير الكوادر، وتطبيق أفضل الممارسات الدولية.
وتعتمد استراتيجية الدولة لسلامة الطيران على «الخطة الوطنية لسلامة الطيران 2023–2026»، المتوافقة مع الخطة العالمية للسلامة الصادرة عن «إيكاو»، والتي تُنفّذ ضمن إطار «برنامج الدولة للسلامة» (SSP). وتهدف هذه الخطة إلى: تقليص المخاطر التشغيلية في مختلف المراحل، تعزيز الرقابة التنظيمية والإدارية على الجهات المعنية، وترسيخ ثقافة السلامة كمبدأ مؤسسي في بيئة الطيران.
ويُعد العنصر البشري ركيزة أساسية في هذا التوجه، حيث تستثمر الهيئة في تأهيل المفتشين والخبراء الفنيين، وتطوير مهاراتهم بما يواكب متطلبات الرقابة الحديثة، ويعزز الجاهزية للتعامل مع بيئات تشغيلية معقدة. وخلال عام 2024، نفّذ قطاع السلامة في الهيئة أكثر من 900 عملية رقابية، تغطي متطلبات السلامة في قطاع الطيران، بما في ذلك تفتيش صلاحية الطائرات، ومراجعة المشغلين الأجانب، وتقييم العمليات التشغيلية، وفحص التراخيص، ومراجعة البنية التحتية والمجال الجوي، وغيرها من متطلبات السلامة.
ولتسريع وتيرة العمل الرقابي ورفع كفاءته، كانت دولة الإمارات أول دولة في العالم تطبق نظام إشراف ذكي قائم على المخاطر، ومدعوم بالذكاء الاصطناعي، يشمل: لوحات تحكم لحظية لرصد المخاطر، أدوات ذكية لتحديد أولويات التدقيق، قوائم تحقق مؤتمتة، ومنصات إلكترونية للتقييم الذاتي من قبل المشغلين.
ويمثل هذا التوجه نقلة نوعية في العمل الرقابي، ويوفر الوقت والجهد، دون الحاجة إلى زيادة الموارد البشرية، كما ينسجم مع رؤية «نحن الإمارات 2031»، التي تضع الابتكار والمرونة المؤسسية في صلب السياسات الحكومية.
وانطلاقاً من إيمان الهيئة بأن السلامة مسؤولية جماعية، تعمل على ترسيخ ثقافة الإبلاغ الطوعي وتعزيز الشفافية، من خلال منصة «VORSY»، وهو نظام تم إنشاؤه لجمع المعلومات المتعلقة بالمخاطر والحوادث التي قد تؤثر في التشغيل الآمن للطائرات. ويهدف هذا النظام إلى تعزيز سلامة الطيران، من خلال استقبال تقارير عن أوجه القصور الفعلية أو المحتملة في السلامة الجوية، والتي قد لا يتم رصدها من خلال أنظمة الإبلاغ الإلزامية.
وفي خطوة استباقية للتعامل مع التحديات الصحية العالمية، أطلقت دولة الإمارات أول بروتوكول وطني لمراقبة الأمراض المعدية في قطاع الطيران، يتضمن: أنظمة إنذار مبكر على مستوى المحطات، نظام تنبيه ضوئي لحظي، وبرامج تدريب ميداني للعاملين في الخطوط الأمامية. وقد حاز هذا النظام على إشادة واعتماد رسمي من منظمة إيكاو، ومنظمة الصحة العالمية، ليشكّل مرجعاً محورياً للأنظمة العالمية المستقبلية.
وتواصل الهيئة العامة للطيران المدني، تعزيز مكانة الدولة محوراً عالمياً للحوار الفني، وتبادل الخبرات في الطيران، عبر استضافة عدد من الفعاليات الدولية المتخصصة في السلامة والابتكار والاستدامة، من أبرزها: المؤتمر الثالث للطيران، وأنواع الوقود البديل 2023، الاجتماع الـ 21 للمجموعة الإقليمية لتخطيط وتنفيذ الملاحة الجوية في الشرق الأوسط، والاجتماع الحادي عشر للمجموعة الإقليمية لسلامة الطيران في الشرق الأوسط، وندوة الإيكاو العالمية الرابعة لدعم التنفيذ على 2025، إلى جانب إطلاق وتنظيم السوق العالمي للطيران المستدام 2025، وتنظيم المؤتمر السنوي لسلامة الطيران في دولة الإمارات.
وتجسّد هذه الجهود التكامل بين الكفاءة التنظيمية والتطور التكنولوجي، والوعي المؤسسي والحوار الدولي، لتقديم نموذج إماراتي في السلامة الجوية يُحتذى به عالمياً، ويمثل مصدر فخر وطني، يعكس مكانة الدولة أحد أبرز المؤثرين في مستقبل الطيران المدني الآمن والمستدام.