كتبت – مروة السيد : تُعد نجران، الواقعة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، كنزًا حضاريًا فريدًا يمتد تاريخه إلى عصور ما قبل التاريخ، لتكون واحدة من أقدم المناطق المأهولة في شبه الجزيرة العربية. تحتضن المنطقة بين جنباتها أكثر من 186 موقعًا أثريًا مسجلاً، مما يجعلها متحفًا مفتوحًا يحكي قصص حضارات متعاقبة تركت بصماتها على أرضها.
لعبت نجران دورًا محوريًا كنقطة توقف رئيسية على طريق البخور القديم، الذي كان يربط جنوب الجزيرة العربية (اليمن) بشمالها وبلاد الشام والعراق ومصر. هذا الموقع الاستراتيجي جعلها مركزًا تجاريًا وثقافيًا مزدهرًا، ومهد الطريق لتفاعلها مع حضارات مختلفة.
وتحتضن نجران أكثر من 186 موقعًا أثريًا مسجلًا في هيئة التراث، يأتي في مقدمتها موقع الأخدود الأثري، الذي يُعَدّ شاهدًا على تاريخ حضاري ضارب في القدم، ومنطقة حمى الثقافية التي تضم أكثر من 6.4 ألف نقش ورسم صخري تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ما أهَّلها للتسجيل في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2021.
وتكمل المتاحف الدور التاريخي للمنطقة، وفي مقدمتها متحف نجران الإقليمي الذي يمتد على مساحة تتجاوز 20 ألف متر مربع، ويضم أجنحة متنوعة تحاكي المراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة، من العصور الحجرية إلى عصر توحيد المملكة، إلى جانب السوق الشعبي المفتوح المجاور الذي يعرض منتجات الحرفيين المحليين ويجذب الزوار من داخل وخارج المنطقة.
وتنعكس الهُوِيّة الثقافية لنجران بوضوح في تنوع الفنون الشعبية التي لا تزال تمارس بحيوية في المناسبات الاجتماعية والوطنية، مثل رقصة الزامل، والرازف، والطبول، التي تصاحبها الأهازيج والشعر النبطي، وتُعد هذه الفنون جزءًا من حياة المجتمع اليومية، وتُعرض بانتظام ضمن الفعاليات التراثية والمهرجانات الوطنية كمهرجان الجنادرية.
وتمثل الحرف اليدوية علامة بارزة في نسيج نجران الثقافي، وتشمل صناعات متعددة كصناعة الجنابي، والفخار، وصياغة الحلي الفضية، ونقش الخناجر، وصناعة الجلود التي تنتج قطعًا تراثية مثل الميزب والمسبت والعصم، التي لا تزال تصنع وتستخدم في الحياة اليومية، وتعرض في الأسواق التراثية، خاصة في مواسم الأعياد والمهرجانات، بما يوفر فرصًا استثمارية كبيرة للحرفيين من خلال إنشاء معارض ومصانع صغيرة تدعم الحرفيين، وتسهم في خلق وظائف مستدامة للسكان المحليين، وخصوصًا النساء والشباب.
المنطقة تضم أيضا عددًا من الأسواق والمراكز التراثية المفتوحة مثل السوق الشعبي وسوق النساء وسوق الجنابي، إلى جانب القرى التراثية التي تعرض نماذج للعمارة القديمة من المنازل الطينية التقليدية، وتقدم عروضًا يومية من الفنون الشعبية والمأكولات التراثية، التي تستقطب الزوار من مختلف مناطق المملكة، لا سيما في الفعاليات الموسمية مثل رمضان ومهرجانات الصيف.
من جانبه، أكد رئيس جمعية السياحة بنجران إبراهيم آل منصور، أن الثروة الثقافية بمنطقة نجران تتيح فرصًا استثمارية واسعة، خاصة في مشاريع تطوير القرى التراثية وتحويلها إلى وجهات سياحية متكاملة تضم مطاعم شعبية، ومتاجر للحرفيين، ومساحات عرض للفنون الشعبية، وكذلك في جانب السياحة الريفية التي تشهد نموًا متسارعًا.
وأضاف أن الاستثمار في القطاع الثقافي والتراثي في نجران يمثل جزءًا أساسيًا من التنمية المستدامة التي تتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال المعطيات القائمة من بنية تحتية متطورة، وتنوع تراثي وثقافي، وإقبال متزايد على الفعاليات المحلية، بما يؤكد أن نجران تمضي بثبات لتكون واحدة من أبرز الوجهات الثقافية والسياحية والاستثمارية في المملكة، ووجهة مفضلة للمبدعين والمهتمين بالعمارة التقليدية والتراث الثقافي.