قبل ذلك، دعت بلدية سوق الجمعة، الإثنين، لاعتصام مدني مفتوح في عموم ليبيا ضد حكومة الدبيبة، واعتبرت في بيان لها، أن التصدي للاعتصام السلمي جريمة، مؤكدة أن هذا الحراك لا يستهدف مدينة مصراتة وأهلها بل ضد ما اعتبرته “حكومة فاسدة”.
في اليوم التالي، أصدر عمداء 30 بلدية، بيانا مشتركا طالبوا فيه الدبيبة بمغادرة السلطة محملين إياه مسؤولية “العبث بمصير الليبيين من أجل مصالح شخصية”.
وناشد البيان الليبيين بالاستمرار في التظاهر االسلمي ورفض الوضع الراهن، حتى “تتحقق إرادة الشعب، ويتم استعادة الدولة من المتحكمين في القرار خارج إطار الشرعية”، معتبرين أن العاصمة طرابلس باتت “مختطفة”.
وشهد الخميس والجمعة الماضيين، تظاهرات تطالب برحيل الدبيبة وحكومته، ما استدعى تقديم ثلاثة وزراء لاستقالاتهم هم وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي، ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر الغاوي، ونائب رئيس الحكومة ووزير الصحة المكلف (الموقوف عن العمل بقرار من النائب العام في قضايا فساد).
أسباب الاحتجاجات
تعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021، أحد أبرز دوافع الاحتجاجات، حيث يخشى من أي تأجيل إضافي لها.
كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد قدمت 4 خيارات لمعالجة القضايا الخلافية التي تحول دون إجراء الانتخابات المعطلة منذ عام 2021، وذلك بناء على توصيات اللجنة الاستشارية.
اقتراحات اللجنة تضمنت إما إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بصورة متزامنة، أو إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، بعدها اعتماد دستور دائم، أو اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات، أو إنشاء لجنة حوار سياسي بناء على الاتفاق السياسي الليبي، لوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية والدستور الدائم.
ويتهم دعاة التظاهر حكومة الدبيبة بالفساد وسوء الإدارة، والتسبب في تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية، واستشراء الفساد، وسيطرة الميليشيات على مفاصل الدولة.
كما يعاني الليبيون في الجنوب من تدهور الخدمات المعيشية مثل نقص الوقود والغاز، وضعف مشاريع التنمية رغم تمتع المنطقة بثروات نفطية مثل حقلي الشرارة والفيل.
كما يتهم معارضو حكومة الدبيبة الحكومة بإفساح المجال للتدخلات الأجنبية، ويطالبون بطرد القوات الأجنبية من البلاد.
وتعد الميلشيات سببا آخر لحالة الغضب في ظل ما يعتبره المعارضون هيمنة متزايدة لها على المشهد الليبي وسيطرة لتلك الميليشيات على مفاصل الدولة.
الدبيبة يرد
الدبيبة رئيس حكومة الوحدة أقر بتغول الميليشيات، ولفت في كلمة، الأحد، إلى أن بعض المجموعات المسلحة أصبحت أكبر من الدولة ذاتها، واستغلت ضعف المؤسسات وغياب الرقابة وهو ما تعمل حكومته على مواجهته.
واتهم الدبيبة خصومه السياسيين بالسعي لإبقاء العاصمة تحت هيمنة المجموعات المسلحة لاستغلاها في معارك النفوذ والسلطة.
وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قد هاجم حكومة الوحدة واتهمها “بشرعنة الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون”، وتوريط ليبيا في تعهدات تمس سيادتها، داعيا لتخليها عن السلطة “طوعا أو كرها”.
ومع توقع زيادة حدة الاحتجاجات، يخشى من اتخاذ وزير الداخلية في حكومة الدبيبة، عماد الطرابلسي، قرارا بقمع المتظاهرين للحيلولة دون تحقيق هذه التحركات أهدافها.
فقد اعتبر المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي، الأربعاء، أن “الدبيبة لن يتردد في دفع القادة الميدانيين نحو احتلال قاعدة معيتيقة وسوق الجمعة”.
تحذيرات من قمع الاحتجاجات
وفي منشور عبر موقع فيسبوك، حذر البيوضي من قمع الاحتجاجات قائلا: “لا أشك بأن الدبيبة الذي اتهم المتظاهرين بأنهم واخذين فلوس لن يتردد في توريط القادة الميدانيين في وحل الدم بحجة الدعم الدولي له، ودفعهم نحو احتلال قاعدة معيتيقة ومنطقة سوق الجمعة”.
كما اعتبر أن “تورطهم في الحرب نتيجته الحتمية هو العقوبات الدولية ضد القادة العسكريين وإخراجه من السلطة عنوة، واهم من يعتقد أن حكومة الدبيبة قادرة على الاستمرار “.
كما عبر الدكتور عبد المنعم الحر، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن قلقه من تحول الاحتجاجات السلمية إلى فوضى.
وأوضح الحر لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أغلب الرجال النافذين قانونيا التابعين للأجهزة التي تعمل مع حكومة الوحدة غير مدربين على مراعاة حقوق الإنسان والالتزام بها، خاصة في التظاهرات السلمية، كذلك أغلب الموكل لهم حماية المواطنين أو فض المتظاهرات السلمية لا يتمتعون بالانضباطية الأمنية والعسكرية التي نشهدها عادة في التدرج الهرمي للمؤسسات الأمنية والعسكرية”.
وأضاف أن المسؤولين عن فض التظاهرات السلمية في حكومة الدبيبة “عادة لا يتلقون تدريبات تحمي متظاهرين أو تحمي حقوق الإنسان، والأخطر أن تقوم الحكومة بأفعال ثم تدعي أن هناك مندسين قاموا بها، وللأسف الأجهزة الموكل لها التحقيق في مثل هذه الحالات تابعة للحكومة أو السلطة التنفيذية”.
انتقادات لحكومة الدبيبة
وفيما يتعلق بحكومة الوحدة، شدد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا على أن حكومة الدبيبة، باتت مستعدة للتنازل عن كل شيء مقابل البقاء في سدة الحكم.
وأضاف الحر في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”: “لقد رأينا تسليمها لبعض المواطنين الليبيين دون مراعاة القوانين والاتفاقيات المعمول بها، واستشراء الفساد وانتشار الميليشيات، هذه الحكومة رغم أنها حكومة لتسيير الأعمال في مرحلة انتقالية لكنها اتخذت من الاتفاقات والمعاهدات ما يمس سيادة الوطن ووحدته”.
واعتبر الحر أن “التظاهرات والاحتجاجات السلمية من المحتمل أن تطيح بهذه الحكومة، والتي سقطت منذ إطلاق أول رصاصة على المواطنين المتظاهرين السلميين خلال الأيام الماضية”.
ولفت إلى أن حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها “تتخبط في قراراتها، مثل حل بعض الميليشيات دون أخرى، إضافة إلى تخبط في قرارات أخرى تتعلق بالمؤسسات الرسمية العسكرية والشرطية”.
وأشار إلى أن “هذه القرارات لا يجب ان تُتخذ في مراحل انتقالية خصوصا أن حكومة الدبيبة منتهية الولاية من عام 2021 وسُحبت الثقة منها برلمانيا، ونحتاج لحكومة منتخبة وشرعية تبسط نفوذها في ربوع البلاد”.
وشدد على ضرورة “استمرار التحرك السلمي حتى تسقط هذه الحكومة، ويتم جمع شمل الوطن في حكومة موحدة توحد كافة المؤسسات المدنية والعسكرية”.
وأكد أن “هذه الحكومة منتهية الولاية، ولكنها تتمتع بشرعية دولية يمكن للشارع انتزاعها وإسقاطها وفقا لهذه الاحتجاجات والتظاهرات السلمية”.
“الاحتجاجات ليست استهدافا لشخص الدبيبة”
من جانبه يرى المحلل السياسي، فيصل الشريف، أن الأوضاع في ليبيا متوترة بسبب الظروف الأمنية التي طرأت، وهو ما دفع الناس للدعوة إلى الخروج يوم الجمعة فيما سمي بجمعة الخلاص، باعتبار أن الوضع الأمني هو ما أدى لعدم استقرار الوضع السياسي.
وأضاف الشريف لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “عدم استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا، خاصة في طرابلس، وتصفية الحسابات العسكرية الميدانية عوضا عن المضي في مسار سياسي يؤمن لليبيين طريق الخلاص، دفعت الليبيين للتظاهر”.
وأوضح أن “ما يطرحه الليبيون هو مدى شرعية الطبقة الحاكمة الموجودة التي تحكم ليبيا، وكذلك هذه الميليشات المنتشرة في أرجاء البلاد، وعدم وجود جيش قوي يمكنه السيطرة على أرجاء ليبيا، وعدم طرح حكومة الدبيبة أي أفق للحل، والضبابية التي تعاني منها ليبيا منذ قرابة 5 أو 6 أعوام”.
وأشار إلى أن “هناك حسابات سياسية كبيرة تلعب دورا كبيرا في الداخل والخارج، وهذه الاحتجاجات ليست استهدافا لشخص الدبيبة، لكن حكومته محل تساؤل لا سيما بعد التصفية التي وقعت للككلي (رئيس جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي)، وهذه الميليشيات التي ترتع في طرابلس والمدن الليبية والتي هي من تعيين الدبيبة كلها عوامل طرحت تساؤلات حول سياساته”.
واعتبر أن “الوضع السياسي والإقليمي لا يساعد حكومة الدبيبة في ظل الاهتزازات السياسية في منطقة الساحل الإفريقي، والصراعات المسلحة في أرجاء العالم، وقد تستغل بعض الأطراف في الخارج هذه التظاهرات، لكن الظروف الداخلية من تصفية جسدية وانتشار الميليشيات، هي التي دفعت الليبيين للخروج للمطالبة بدولة قوية، وحكومة شرعية، ومسار سياسي بتواريخ مضبوطة في ظل كون حكومة الدبيبة غير منتخبة، والدعوة لاستتباب الأمن في البلاد”.