بقلم: يورونيوز
نشرت في
كشفت الحكومة البريطانية اليوم عن حزمة إجراءات أمنية وقضائية وتقنية شاملة لمواجهة ما وصفته بـ”أنشطة تجسس منسقة” من قبل أجهزة استخبارات صينية، وذلك عقب تحذير طارئ أصدره جهاز المخابرات الداخلية (MI5) استهدف أعضاء البرلمان والموظفين الحكوميين.
وصرّح وزير الأمن دان جارفيس أمام مجلس العموم أن “الحكومة لن تتسامح أبداً مع أي تدخل تجسسي من قبل قوى أجنبية”، مؤكداً أن الأنشطة الصينية تمثل “محاولة خفية ومدروسة للتدخل في شؤوننا السيادية لصالح مصالحها”.
وأضاف أن بريطانيا “لن تتردد في محاسبة الصين”، وأن أولوية الحكومة تبقى حماية الأمن الوطني والديمقراطية البريطانية.
وأشار جارفيس إلى أن التهديدات تأتي في سياق متزايد، يشمل عمليات سيبرانية استهدفت بريد البرلمان عام 2021، وأنشطة كريستين لي عام 2022، فضلاً عن حالات تدخل أجنبي أكثر حداثة.
استثمار بـ170 مليون جنيه في تقنيات التشفير
وأعلن جارفيس أن الحكومة خصصت 170 مليون جنيه إسترليني لتجديد أنظمة التشفير السيادية التي يستخدمها المسؤولون في الأعمال الدبلوماسية والأمنية وتطوير السياسات. وسيُخصص 130 مليون جنيه إضافية العام المقبل من “الصندوق الأمني المتكامل” لتعزيز مرونة المملكة المتحدة أمام التهديدات التي تفرضها دول مثل الصين.
أكد وزير الأمن أن الحكومة “أكملت إزالة جميع معدات المراقبة المصنوعة من شركات خاضعة للقانون الوطني للاستخبارات الصينية من جميع المواقع الحساسة داخل المملكة المتحدة وخارجها”.
استهداف الجامعات والصناعة المتقدمة
وفي إطار التصدي للنفوذ الصيني، أعلن جارفيس أن الحكومة ستعمل على دعم الجامعات وصناعة التصنيع المتقدم ضد التدخل الخارجي. وستضمّن الخطط اجتماعًا مغلقًا مع رؤساء الجامعات لمناقشة المخاطر المرتبطة بالتدخل الأجنبي، ولتعزيز قدرة القطاع الأكاديمي على الصمود.
وكشف تحذير MI5 أن وزارة الأمن الوطنية الصينية (MSS) تستخدم مُجنّدين للاستقطاب عبر منصات احترافية مثل LinkedIn.
وحدد الجهاز اسمي امرأتين هما أماندا تشيو، الرئيسة التنفيذية لشركة BR-YR Executive Search، وشيرلي شين، المؤسسة المشاركة لـ”اتحاد التدريب”، على أنهما تجريان “تواصلاً واسع النطاق نيابة عن MSS”.
ووفق تحليل صحيفة التلغراف، فإن تشيو على اتصال بعشرات الأشخاص العاملين في قلب الدولة البريطانية، بينهم موظفون في وزارة الخزانة، ووزارة العلوم والابتكار، ومستشارون سابقون لوزراء محافظين، وأعضاء في معهد توني بلير، ومسؤولون في حزب الإصلاح والديمقراطيين الأحرار، وموظفون في أمازون وجامعات مرموقة مثل UCL وكلية لندن للاقتصاد.
حالة بريتي باتيل
وكشفت التلغراف أن موظفاً سابقاً في فريق وزيرة خارجية الظل بريتي باتيل كان من بين الذين استُهدفوا. وتلقت الرسالة دعوة للعمل كـ”مستشار سياسي”، ووصفها الموظف بأنها “مشبوهة” واعتبرها “حساباً مزعجاً”.
وقالت باتيل إن الحادثة “ليست معزولة”، بل جزء من محاولة “جادة من الصين لتقويض ديمقراطيتنا”، مشيرة إلى أن بكين “تشم الضعف” وتراها “ترفع العلم الأبيض”.
وأشار ضابط استخبارات سابق إلى أن انهيار قضية كريستوفر كاش (30 عاماً) وكريستوفر بيري (33 عاماً) في سبتمبر الماضي، بعد اتهامهما بنقل معلومات لمسؤول صيني رفيع، حوّل المملكة المتحدة إلى “بيئة سهلة للجواسيس”. وعزا مصدر أمني هذا الانهيار إلى رفض الحكومة تقديم أدلة للنيابة العامة تثبت أن الصين تشكل تهديداً أمنياً، وهو ما يُنظر إليه على أنه تنازل سياسي.
دعوات لوقف السفارة الصينية الفائقة
وتصاعدت الدعوات البرلمانية لمنع موافقة الحكومة على مشروع “السفارة الفائقة” الصينية في لندن. واتهم حزب الليبراليين الديمقراطيين بكين بـ”التنمر” على الحكومة، مشيرة إلى تحذيرات صينية بـ”عواقب” إذا لم يُمنح الترخيص.
وكُشف في وقتٍ سابق أن رئيس الوزراء السير كير ستارمر ناقش مشروع السفارة خلال اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، دون أن تُفصح الحكومة عن هذا الحوار. وكان مجلس التخطيط المحلي قد رفض المشروع عام 2022، قبل أن تقرّر الحكومة المركزية سحب الملف إليها واتخاذ القرار بشأنه مباشرة.
وطالبت أليشيا كيرنز، وزيرة الظل للداخلية، بوضع الصين في “الفئة المعززة” من نظام تسجيل التأثير الأجنبي (FIRS)، محذّرة من أن الرحلات الوزارية المقررة إلى بكين قبل نهاية العام تُرسل “إشارة ضعف خطيرة”.
كما دعت إلى رفض السفارة أو إلزام الصين بتمويل إعادة توجيه الكابلات الحساسة بعيداً عنها. ورد جارفيس بأن القرار لم يُتخذ بعد، وأنه سيتم اتخاذه من قبل وزير الإسكان ستيف ريد بصفة “شبه قضائية”.
الصين “تشم الضعف”
ووصف ريتشارد تايس، نائب زعيم حزب الإصلاح، الوضع الحالي بأن الصين “تشم الضعف”، في إشارة إلى انهيار القضية القضائية ومواصلة العلاقات الدبلوماسية. وشدّد نواب من أحزاب مختلفة، بينهم إيان دانكان سميث، على أن موقف الحكومة “سخيف” ويُحوّل سياسة المملكة إلى “سخرية”.
وحذّر النائب المحافظ أندرو موريسون من أن الاعتماد على المعادن الحرجة والنادرة من الصين يجعل بريطانيا في وضع لا يمكنها فيه “التفاوض مع نمر ورأسها في فمه”. ورداً عليه، أشار جارفيس إلى أن إدارة العلاقة مع الصين تتطلب “واقعًا عمليًا”، رغم التحديات الأمنية.
وأعلنت الحكومة عن إطلاق حملات وقائية منسقة عبر “فرقة الدفاع عن الديمقراطية”، تستهدف العاملين في المجال السياسي، بهدف تمكينهم من “التعرف على أنشطة التهديدات الأجنبية ومقاومتها والإبلاغ عنها”. كما ستعمل سلطة الحماية الأمنية الوطنية على توسيع حملتها “فكّر قبل أن تتصل” لجعل منصات التواصل المهني “بيئة عدائية” لعملاء الاستخبارات.
وأكد السير جيريمي رايت، عضو لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية، أن الصين “تعرف أنها تهديد وفرصة اقتصادية في آنٍ واحد”، مضيفًا أن “الدفاع عن الأمن الوطني لن يضر بالعلاقات التجارية، لأن بكين تحترم القوة”.
اختتم جارفيس كلمته بتأكيده أن سياسة الحكومة تقوم على “الواقعية التقدمية”: “سنُواصل التواصل مع الصين حيثما لزم، لكننا سنعمل دائماً على الدفاع عن مصالحنا الوطنية، ونتحدى حيثما تُهدد قيمنا”.

