لجأ عدد من الأهالي والمهجرين في الشمال السوري إلى البحث عن زراعات بديلة توفر عليهم الجهد والتكاليف، وذلك بعد استيلاء ميليشيا أسد على أغلب المناطق الزراعية الخصبة، ليتوجهوا لزراعة النباتات العطرية وأزهار الزينة، من أجل تأمين لقمة عيش كريمة بدلاً من انتظار السلّة الغذائية التي يتم توزيعها بشكل متقطع.
الذهب الأحمر
ومن النباتات العطرية التي دخلت مؤخراً وللمرة الأولى الشمال السوري هي زراعة نبات الزعفران، والذي أُطلق عليه “الذهب الأحمر”، لما يدرّ على زارعيه من أموال.
والزعفران نبتة فريدة من نوعها تدرّ آلاف الدولارات وتطلبها الشركات العالمية بحسب ما أفاد مهتمون بالشأن الزراعي، موضحين أن زراعة “الذهب الأحمر” عبارة عن مشروع تنموي صغير نسبة نجاحه مضمونة تماماً.
التجربة الأولى والصعوبات
وكانت التجربة الأولى في هذا المجال والتي انطلقت من مدينة بنش المحاذية لخطوط التماس مع ميليشيا أسد شرق إدلب، هي لزراعة الزعفران على يد الأستاذ الجامعي أسامة سلات، الذي أضاف هذه الزراعة الوليدة إلى قائمة المزروعات في الشمال.
وعن بدايات فكرة زراعة الزعفران، قال سلات لموقع “أورينت نت”: “ظهرت فكرة زراعة الزعفران بسبب معاناة المزارعين من كساد الكثير من المحاصيل خصوصاً الصيفية، بسبب كثرة الزراعة وضعف التصريف، وكان لا بدّ من زراعات تضمن دخلاً مستقراً للمزارع وتزيد النشاط الاقتصادي للمنطقة”.
وأضاف: “فكرة زراعة الزعفران موجودة منذ زمن طويل، ولكن بسبب المعارك الأخيرة تأجلت، وبعد الاستقرار النسبي بالمنطقة ولله الحمد بحثنا عن البُصيلات ودرسنا جدوى المشروع، وبعد صعوبات استطعنا تأمين البُصيلات وزراعتها”.
وأوضح سلات أن من أبرز الصعوبات التي واجهته لبدء زراعة الزعفران هي السعر المرتفع جداً للبصيلات بالنسبة لدخل مزارعي الشمال المحرر بشكل عام، حيث أنه من الصعب زراعة المساحات الواسعة إلا لأصحاب رؤوس الأموال”.
سعره بسعر الذهب
وذكر أن الزعفران من النباتات العطرية الذي يدخل في الصناعات الدوائية والمنكهات، كما إنه يعتبر من أكثر التوابل غلاء في العالم إن لم يكن أغلاها على الإطلاق، إذ يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 5000 إلى 15000 دولار، كما إن الغرام الواحد يُباع بسعر قريب من سعر غرام الذهب في بعض دول المغرب العربي.
وعن موعد زراعة الزعفران والتربة المناسبةـ، أوضح المهندس الزراعي تيم العلي لموقع “أورينت نت” أن زراعة الزعفران تبدأ في بداية شهر أيلول/ سبتمبر وحتى منتصفه بحسب المناطق، ويفضّل أن تكون التربة رملية لا طينية”.
كما يفضّل وضع السماد العضوي بمتوسط 2.5 طن في الدونم، ويمكن الزيادة أو النقصان على حسب جودة التربة، بحسب العلي، الذي أشار إلى أن زراعة الزعفران زراعة مقتصدة للمياه، بحيث يُسقى عن طريق التنقيط مرتين في الأسبوع خلال الأشهر الدافئة ومرة واحدة خلال الأشهر الباردة”.
طريقة الزراعة
وشرح العلي طريقة الزراعة وتوزع البُصيلات موضحاً: “تكون على شكل منصات بعرض 1 متر وطول لا يتجاوز 50 متراً. والمسافة بين المنصات حوالي 40 سم من أجل السير عليها أثناء جني المحصول والأعمال الزراعية الأخرى، أما مساحة الأرض اللاّزمة لزراعة كيلو واحد من البُصيلات (حسب حجم البُصيلات) من 200 إلى 300 بُصيلة والمسافة بين البُصيلات حوالي 10 سم وعمق 8 سم”.
وبحسب اختصاصيين زراعيين، يبدأ موسم قطف زهور الزعفران بعد حوالي شهرين تقريباً من الزرع، حيث تقطف المياسم يومياً في الصباح الباكر، وتترك البُصيلات حتى الشهر الخامس أو السادس لتتضاعف إلى ثلاثة أضعاف، ثم تُنزع المياسم وتوضع فوق ورق نظيف وأمام مصدر حراري لتُجفف في أسرع وقت ممكن، من أجل الحصول على أعلى مستوى من جودة الزعفران، وبعد التجفيف يُحفظ الزعفران في وعاء زجاجي جاف بعيداً عن الإضاءة.
ويُخزن الزعفران لمدة 40 يوماً، وهو الزمن الذي يسمح للزعفران الحصول على كل خصائصه من طعم ولون ورائحة، وتبدأ عملية إزالة الأعشاب التي تنافس الزعفران في الماء والضوء والعناصر المعدنية، ومن الأفضل أن تكون الإزالة يدوية وينصح بالابتعاد عن المبيدات العشبية، وحرث الأرض سطحياً من حين لآخر، من أجل توفير التهوية والمساحة اللازمة لكبر البُصيلات.
أبرز الأمراض
وحول أهم الأمراض والآفات التي تصيب الزعفران، قال الصيدلاني الزراعي هادي الشحود لموقع “أورينت نت”، إن أبرزها الأمراض الفطرية وتعفن البُصيلات، إضافة إلى الحيوانات البرية التي تخرّب وتأكل البُصيلات، وكذلك القوارض كالأرانب البرية وفأر الحقل والخلد، ومن الأفضل تسييج الأرض المزروعة بسياج مانع من دخول هذه الحيوانات التي يمكن أن تتسبب في خسائر بسبب التهامها للأوراق.
وأضاف أن كثرة السقي يمكن أن تتسبب في تعفن البُصيلات، وأيضاً استخراج البصيلات قبل أوانها مع عدم توفير الظروف الملائمة لحفظها يمكن أن يسبب أيضاً تعفنها.
ووفق ما يرى المختصون الزراعيون، فإن اختيار مكان زراعة الزعفران من الأمور المهمة جداً لارتفاع المردودية، حيث إن أفضل الأماكن التي يمكن زراعته فيه هي الأراضي المرتفعة عن سطح البحر بين 600 إلى 1400 متر، وهو ما ينطبق على بعض المناطق في الشمال المحرر وهي القريبة من منطقة إعزاز في الشمال وريف سلقين من الشمال الغربي.
توجه للزراعات البديلة
ومع زيادة الكثافة السكانية في الشمال السوري، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين نسمة نصفهم نازحون ومهجرون على يد ميليشيا أسد وحلفائها، تقلصت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
وأفاد الموظف السابق في دائرة أملاك الدولة، عصام السوادي، لموقع “أورينت نت”، بأن في محافظة إدلب كان يعيش نحو 1.5 مليون نسمة في 2010 على مساحة 6000 كيلومتر مربع 30 بالمئة منها صالحة للزراعة والباقي جبلية.
وأشار إلى أن “نسبة الأراضي الزراعية تقلصت وفقدت بحدود 10 في المئة منها ببناء المخيمات والتوسع العمراني، وهي لا تفي باحتياجات الناس، لذلك ينبغي الاستغناء عن المحاصيل الإستراتيجية التي نستوردها من تركيا والتوجّه نحو المحاصيل عالية المردود مثل النباتات العطرية التي تضم الزعفران إضافة إلى الخضار والفواكه”.
ويبقى التوجّس الأمني والخوف من القصف المستمر لميليشيا أسد على المنطقة ديدن كل من يفكر بإدخال مشاريع جديدة إلى الشمال السوري، ويبقى انتظار نجاح تجربة الزعفران الأولى لتُعمّم على منطقة عانت من ويلات الحرب.