في عالمٍ يتسارع فيه التقدّم العلمي والطبي، يسطع اسم الأطباء اللبنانيين كنجومٍ لا تعرف حدودًا لإبداعها، فيثبت أبناء هذا الوطن أنّ العطاء لا يُقاس بحجم الأرض، بل بعمق الإيمان بالعلم والإنسان.
لقد حوّل هؤلاء الأطباء التحدّيات إلى إنجازات، وجعلوا من الطب رسالة سامية تجمع بين الدقة والرحمة، وبين الابتكار والإرادة.
في هذا الموضوع نسلّط الضوء على مجموعة من الإنجازات الطبية اللبنانية في لبنان وفي الخارج، التي شكّلت علامات فارقة في عالم الطب الحديث.
أحدث الإنجازات الطبية اللبنانية التي حققت ضجة عالمية تمكُّن الطبيب اللبناني محمد بيضون، رئيس قسم جراحة الأعصاب في جامعة شيكاغو، من إنقاذ حياة الطفل الألماني أوليفر شتاوب، من خلال إعادة توصيل الجمجمة بالعمود الفقري وإصلاح الغشاء المحيط بالحبل الشوكي.
ونشير إلى أن قسم جراحة الدماغ والأعصاب في جامعة شيكاغو موجود فيه الدكتور اللبناني عصام عواد المعروف عالمياً في جراحة شرايين الدماغ، والدكتور يوسف قمير المعروف عالمياً بجراحة الدماغ.
هذا ليس الإنجاز الأول للطبيب، إذ إنه عام 2019 تمكن من شفاء المريض كريس بار الذي كان يعاني من الشلل الكلي، والذي تمكن من المشي مجدداً. وكان الدكتور بيضون قد أجرى تجربة ناجحة على كريس الذي تعرض لحادث أثناء ركوب الأمواج جعله مشلولاً كلياً، وبعد سنتين وإثر فقدانه الأمل، قرر إنهاء حياته على طريقة الموت الرحيم، لكن زوجته رفضت واتصلت بالطبيب بيضون، الذي كان يقود تجربة مبتكرة في مايو كلينيك في مينيسوتا، وكان يبحث عن مرضى مستعدين للخضوع لتجربته الجديدة.
عام 1993، أجرى الدكتور جورج تادي أول عملية زرع قلب للبناني في باريس، وهو مؤسس الجمعية اللبنانية لوهب الأعضاء، التي ساهمت في وضع القوانين وتنظيم حملات التوعية الوطنية.
كما حصل الدكتور ميغيل ر. عبود، رئيس قسم طب الأطفال والطب المراهق في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، على جائزة الإنجاز مدى الحياة من جمعية مرض فقر الدم المنجلي في أميركا (SCDAA)، تقديرًا لإسهاماته في تطوير فهم وعلاج المرض عالميًا، وقيادته لمبادرات نوعية في لبنان والولايات المتحدة.
وفي إنجاز طبي متقدم، أجرى الطبيبان أمير إبراهيم ورمزي العلمي في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC) أول عملية ترميم للثدي بعد استئصاله باستخدام روبوت “دا فينشي”، ما فتح آفاقًا جديدة للجراحات الترميمية الدقيقة في المنطقة.
أما جراح الأعصاب اللبناني باسكال جبور، فقد نجح في إجراء أول عملية زرع دعامة في الشريان السباتي باستخدام روبوت في فيلادلفيا، في خطوة ثورية عززت دقة الجراحة وقلّلت من مخاطرها.
وفي فرنسا، حقق الطبيب اللبناني جان مارك أيوبي إنجازًا تاريخيًا بإجراء أول عملية زراعة رحم ناجحة في مستشفى فوخ دي سورين، ما أعاد الأمل لآلاف النساء اللواتي يعانين من العقم الناتج عن خلل في الرحم.
منحته فرنسا وسام “جوقة الشرف” من رتبة فارس تقديرًا لإسهاماته في جراحة العقم وزراعة الأرحام، ولأبحاثه التي جعلت من مركزه الطبي في باريس أحد أبرز مراكز الخصوبة في أوروبا.
وفي لبنان، تمكّن فريق طبي في AUBMC بقيادة الدكتور مروان رفعت وزملائه من زرع أول جهاز لتنظيم ضربات القلب من نوع “His-Bundle Pacemaker” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو جهاز يعيد التنسيق الكهربائي الطبيعي للقلب بدقة عالية.
أما العالمة اللبنانية ماريان أبي فاضل، فقد اكتشفت بالتعاون مع جامعة القديس يوسف (USJ) الجين الثالث المسبّب لمرض الكوليسترول الوراثي، ما أتاح تطوير علاجات بيولوجية مبتكرة تحدّ من أمراض القلب والأوعية الدموية.
ونفّذ الطبيبان رمزي علم الدين ونديم معلم عملية دقيقة لإزالة ورم وعائي نادر في محجر العين كان يسبب فقدانًا تدريجيًا للبصر، مما رسّخ مكانة AUBMC كمركز متقدّم لجراحات العين المعقّدة في المنطقة.
كما أجرى جراح الأعصاب اللبناني أنطونيوس الحلو في كندا عملية فريدة لعلاج متلازمة الألم الإقليمي المعقّد (CRPS)، تم خلالها زرع نظام تحفيز عصبي لتخفيف الألم المزمن وتحسين حركة الأطراف.
الطبيب إيلي النجار، جراح العظام في بريطانيا، نال جائزة دولية عن أبحاثه في رعاية العمود الفقري بعد العمليات الدقيقة، بعدما صنف بحثه من بين أهم ست دراسات في مؤتمر عالمي في شيكاغو.
نفّذ الدكتور ألبر الحاج في الجامعة الأميركية أول عملية روبوتية بتقنية الواقع المعزّز لاستئصال ورم كلوي مع الحفاظ على الكلية، ما وضع لبنان على خريطة الجراحة الرقمية.
البروفسور فيليب سالم، أحد أبرز علماء الأورام في العالم، طوّر نهجًا يجمع بين العلاج المناعي والكيميائي والموجّه في مركزه الطبي في هيوستن، محققًا نتائج غير مسبوقة في مكافحة السرطان.
في سابقة عالمية، زرع فريق مركز قلب الأطفال في الجامعة الأميركية ثلاثة أجهزة Occlutech عبر القسطرة لسد ثلاثة ثقوب في قلب طفل يبلغ 12 عامًا، ما ألغى الحاجة إلى جراحة القلب المفتوح.
وكان الفريق على رأسهم مدير مركز قلب الأطفال الدكتور فادي بيطار، إلى جانب أخصائيي أمراض القلب لدى الأطفال الدكتور زياد بلبل والدكتورة مريم عربي، وجراح القلب الدكتور عصام الراسي بالتعاون مع أخصائي أمراض القلب والشرايين والصمامات، الدكتور فادي صوايا والدكتورة سمر طه من قسم التخدير.
الجرّاح اللبناني خضر فقيه قاد عملية دقيقة في أوروبا الشرقية استمرت ست ساعات، لاستئصال ورم خبيث من وجه فتى في السادسة عشرة وزراعة فك جديد بتقنية ثلاثية الأبعاد، ليعود إلى حياته الطبيعية بعد أيام.
في مستشفى “لا تيمون” الفرنسي، أجرى الدكتور إيلي شوفاني جراحة فريدة لطفل يبلغ ثلاث سنوات، مصاب بتشوّه خلقي في العمود الفقري، استمرت العملية خمس ساعات، استخدم خلالها التصوير الطبقي لتوجيه الجراحة بدقة، وأنقذ الطفل من الشلل الكامل.
الطبيب والباحث فؤاد شبيب حوّل معاناة والده مع مرض تكيّس الكلى إلى دافعٍ لاكتشاف علاج عالمي جديد، الدواء الذي طوّره يعطّل هرمون “فازوبرِسين” المسؤول عن نمو الأكياس في الكلى، فاتحًا باب الأمل أمام المرضى حول العالم.
يُعدّ الطبيب اللبناني رياض سركيس من الروّاد في توظيف العلوم الطبية بطرق مبتكرة، إذ قاد مبادرة عالمية لاستخدام الكلاب المدربة في الكشف المبكر عن فيروس كوفيد-19 خلال ثوانٍ، بدقة تفوق الفحوص التقليدية. وبعد أكثر من 12 عاماً من دراسة قدرة الكلاب على رصد أمراض السرطان، نجح سركيس في إثبات إمكانية اعتماد هذه التقنية للمساعدة في مكافحة الأوبئة، فاتحاً آفاقاً جديدة لاستخدام حاسة الشم الحيوانية في الكشف عن الأمراض البشرية.
يحمل الدكتور جوزيف عازوري لقب “عرّاب” طفل الأنبوب في لبنان، كونه أوّل من أجرى عمليّة الحقن المجهري في البلاد عام 1995، كما كان السبّاق في إدخال تقنية الأمبريوسكوب إلى الشرق الأوسط عام 2013.
