أسواق الأسهم الأوروبية – أرشيفية
في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لتثبيت شراكته التجارية مع الولايات المتحدة، تدخل الشركات الأوروبية مرحلة دقيقة تتسم بقدر عالٍ من الترقب والارتباك، ذلك أن التقلبات السياسية والقرارات المفاجئة على جانبي الأطلسي، وعلى رأسها التهديدات الأميركية الأخيرة بفرض رسوم جمركية مرتفعة، أعادت ترتيب أولويات المستثمرين وأربكت الحسابات الاستراتيجية للقطاع الخاص في أوروبا.
وبينما تتكثف الجهود الدبلوماسية لاحتواء التصعيد، يزداد الضغط على الشركات الأوروبية التي باتت تواجه تحديات مركّبة تتراوح بين الغموض السياسي وتزايد التكاليف إلى اضطراب سلاسل التوريد.
وفي حين ضاعف مفاوضو الاتحاد الأوروبي جهودهم لتأمين اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، تواجه الشركات في أوروبا حالة من عدم اليقين لفترات طويلة تجعل من الصعب – والمكلف – بالنسبة لها التخطيط للمستقبل، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وأشار التقرير إلى أن:
- تهديد الرئيس ترامب، يوم السبت الماضي، بفرض ضريبة بنسبة 30 بالمئة على السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، يضع الشركات أمام مستويات تعريفات جمركية غير مسبوقة منذ نهاية القرن التاسع عشر.
- الأسوأ من ذلك، كما يقول الكثيرون، هو أنهم يجدون أنفسهم في حالة من الجمود، عاجزين عن اتخاذ قرارات بشأن الاستراتيجية والتوظيف والاستثمار.
رسوم غير مبررة
ويشير التقرير لتصريحات مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، للصحافيين في بروكسل يوم الاثنين، والتي يقول فيها: “لنكن صريحين، فكرة فرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة تُعيق التجارة المتبادلة”. ويضيف: “لا يُمكن أن يستمر عدم اليقين الحالي الناجم عن الرسوم الجمركية غير المبررة إلى أجل غير مسمى”.
ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للولايات المتحدة، حيث تبلغ وارداته السنوية من الولايات المتحدة 600 مليار دولار من أصل 3.2 تريليون دولار.
- كان تهديد ترامب الأخير أشد وطأة مما توقعته الشركات الأوروبية .
- كان الكثيرون يعملون على افتراض أن المفاوضين الأوروبيين سيُرسّخون اتفاقاً يتضمن تعرفة ترامب الأولية البالغة 10 بالمئة، بينما كانوا يسعون جاهدين للحصول على تنازلات لقطاعات حيوية، بما في ذلك السيارات والصلب والألمنيوم.
- منذ أبريل، هدّد برفع التعرفة الجمركية على السلع الأوروبية إلى 20 بالمئة، ثم 50 بالمئة، قبل أن يتراجع، مما أربك المسؤولين التنفيذيين .
- في نهاية المطاف، تتوقع الشركات الحصول على صفقة أفضل، لكن تكاليف سياسة التعرفات الجمركية المتعرجة تتزايد مع كل يوم يمر قبل الموعد النهائي الجديد في الأول من أغسطس الذي حدده ترامب.
وينقل التقرير عن الخبير الاقتصادي في بنك بيرينبيرغ، سالومون فيدلر، قوله: “حتى لو نجحت المفاوضات في نهاية المطاف في تجنب فرض أعلى التعرفات الجمركية الجديدة، فإن كلما طال الوقت اللازم للوصول إلى هناك، كلما تراكمت الأضرار الاقتصادية بشكل أكبر”.
وتخشى العديد من الشركات تقديم شكاوى علنية، وخاصةً العلامات التجارية الأوروبية التي تحظى بشعبية كبيرة بين المستهلكين الأمريكيين. ويخشى المسؤولون التنفيذيون من أن يصبحوا هدفًا لغضب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، نقل تقرير لـ “رويترز” عمن المحلل في ميتزلر إكويتيز، بال سكيرتا، قوله:
- “من وجهة نظري، فإن المشكلة الأكبر في سياسة التعرفات الجمركية الحالية هي الافتقار إلى إطار تعريفات مستقر وقابل للتنبؤ”.
- “بدون قواعد واضحة طويلة الأجل، فإن التخطيط والإدارة التشغيلية للقطاعات ذات العولمة العالية – مثل صناعة السيارات – تصبح أكثر تعقيداً بشكل كبير، ناهيك عن العبء المالي الإضافي الذي تفرضه التعرفات الجمركية نفسها.”
ودعت شركات أوروبية مفاوضي التجارة إلى مضاعفة الجهود لإبرام اتفاق مع واشنطن بعد أن هدد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة على واردات الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أغسطس رغم أن الشركات تتجنب الذعر وتمسكها بالأمل في أن يتراجع ترامب عن تهديداته كما فعل في الأشهر الأخيرة، وفق الوكالة.
حالة عدم اليقين
وتعليقاً على ذلك المشهد، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets ،جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- “في ظل حالة عدم اليقين الراهنة، تتأثر الشركات الأوروبية بشكل ملموس، لا سيّما إذا ما نفّذت الإجراءات التعرفة الجمركية التي طرحها الرئيس ترامب على واردات الصلب والألومنيوم إلى جانب الحديد، وبالتوازي مع الرسوم الجديدة المعلن عنها”.
- هذه الرسوم سيكون لها تداعيات كبيرة على قطاع السيارات بشكل خاص، إلى جانب قطاعات حيوية أخرى كقطاع الأدوية الذي يعتمد بشكل أساسي في أوروبا على هذه المواد.
- لا يمكن تجاهل أن أوروبا تمثل الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، ومع الفائض التجاري الأوروبي الذي يصل إلى حوالي 250 مليار دولار، فإن هذه الرسوم تمثّل تحدياً جديداً.
- في ضوء ذلك، قامت ألمانيا بإطلاق حزم دعم تستهدف تعزيز قطاع الدفاع والبنية التحتية، فيما يبدو أن تلك الإجراءات غير كافية لامتصاص كامل الصدمة السوقية.
ويضيف: كان هناك تفاؤل ملموس بأن تسير الاقتصادات الأوروبية – وبشكل خاص الاقتصاد الألماني – على طريق الانتعاش مع بداية العام 2025. ولكن، يستمر الضغط بزيادة الضبابية الاقتصادية والضريبية، وهو ما ينعكس في إطالة أمد الأزمة مؤدياً إلى ارتفاع مستويات الديون وتأخر وفورات الشركات، الأمر الذي يمثّل ضغطاً واضحاً على الاقتصاد الأوروبي والعالمي، ويُسهم في تباطؤ النمو في أوروبا وبقية دول العالم.”
مزيج معقد من التحديات
بدوره، يشير خبير العلاقات الاقتصادية الدولية من برلين، محمد الخفاجي لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- الشركات في أوروبا حالة تشهد مستمرة من عدم اليقين، ناجمة عن مزيج معقّد من التوترات الجيوسياسية، والمخاوف المرتبط بمعدلات التضخم، ومصير السياسات النقدية في المرحلة المقبلة، إلى جانب اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية.
- هذا المناخ من عدم اليقين يدفع المؤسسات إلى تبني استراتيجيات أكثر حذراً، ما ينعكس بشكل مباشر على مستويات الاستثمار والتوظيف ونمو الأرباح.
- تظهر المؤشرات الاقتصادية تردداً واضحاً في توسع الشركات، في ظل استمرار ضعف ثقة الأعمال في منطقة اليورو، ما يترجم إلى تباطؤ في قرارات التوظيف وضخ رؤوس الأموال.
ويضيف: لقد فضّلت العديد من الشركات تأجيل خططها الاستثمارية، وتبنّي سياسات أكثر تحفظاً في التعيينات الجديدة، في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن التوقعات الاقتصادية على المدى القريب.
إلى جانب ذلك، تواجه الشركات الأوروبية ضغوطًا متزايدة على هوامش الربح، نتيجة تقلب أسعار الطاقة وتكاليف المواد الخام، لا سيما في القطاعات الصناعية الكبرى. هذا الوضع -وفق الخفاجي- أضعف القدرة التنافسية لعدد من الشركات، وفرض تحديات إضافية تتعلق بكفاءة الإنتاج وتوزيع الموارد. كما أدت اختناقات سلاسل الإمداد إلى إعادة تموضع لوجستي، حيث باتت العديد من المؤسسات تبحث عن موردين بديلين وأكثر قربًا جغرافيًا لتقليل مخاطر الانكشاف المستقبلي.
وفي سياق متصل، يشدد على أن هذه الأوضاع أثّرت أيضاً على حركة الاندماجات والاستحواذات، حيث سجّلت السوق تراجعاً يعكس انخفاض شهية المخاطرة لدى الشركات والمستثمرين على حد سواء. ونتيجة لكل ما سبق، يمكن القول إن حالة عدم اليقين تدفع القطاع الخاص الأوروبي إلى اعتماد نهج دفاعي يركّز على الكفاءة التشغيلية، وإدارة المخاطر، والحفاظ على السيولة. وبينما تسعى بعض المؤسسات إلى التكيّف من خلال التحول الرقمي وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، فإن آفاق النمو تظل مرهونة بتراجع التوترات الجيوسياسية واستعادة الثقة في البيئة الاقتصادية.