هل يواصل الذهب تحطيم الأرقام القياسية في 2026؟
يشهد الذهب موجة صعود استثنائية في العام الجاري، جذبت أنظار المستثمرين والمحللين حول العالم؛ فبعد أن تجاوز المعدن النفيس حاجز الأربعة آلاف دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخه خلال هذا العام، تتجه التوقعات نحو مستويات قياسية جديدة خلال العامين المقبلين.
تدعم هذه التوقعات تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي العالمي، إذ يبزغ الذهب -الذي اشتهر بكونه ملاذ آمن تقليدي- كأصل استراتيجي في محافظ المؤسسات والأفراد. كما تلعب البنوك المركزية دوراً محورياً في هذه المعادلة من خلال مواصلة تنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار، بينما تسهم التوقعات بخفض أسعار الفائدة وموجة عدم اليقين الجيوسياسي في تعزيز الطلب على المعدن الأصفر.
في هذا السياق، تتعدد الآراء التحليلية حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه سعر الذهب، والعوامل التي قد تُعزز مسيرته الصاعدة أو تكبحها. ومن استطلاعات آراء المستثمرين المؤسسيين إلى تحليلات الخبراء في أسواق المال، تشير معظم القراءات إلى أن الرحلة نحو مستويات جديدة لم تنته بعد، رغم التحذيرات من بعض المخاطر التي قد تواجه هذا المسار الصاعد.
ارتفاع حاد
ويشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إلى أن:
- الذهب شهد ارتفاعاً حاداً هذا العام.
- يُظهر استطلاع لـ “غولدمان ساكس” أن العديد من المستثمرين يعتقدون بأن المعدن النفيس سيصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 5000 دولار أميركي بحلول نهاية عام 2026.
- ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 58.6 بالمئة منذ بداية العام، وتجاوزت مستوى 4000 دولار أميركي التاريخي لأول مرة في 8 أكتوبر.
- في استطلاع رأي شمل أكثر من 900 عميل من المستثمرين المؤسسيين على منصة ماركي التابعة لغولدمان ساكس، توقع 36 بالمئة من المشاركين – وهم أكبر شريحة – أن يحافظ الذهب على زخمه ويتجاوز 5000 دولار أميركي للأونصة بحلول نهاية العام المقبل.
- يتوقع 33 بالمئة آخرون أن يتراوح سعر المعدن الأصفر بين 4500 و5000 دولار أميركا، وفقاً للاستطلاع الذي أُجري بين 12 و14 نوفمبر.
بحسب غولدمان ساكس، فإن أكثر من 70 بالمئة من المستثمرين المؤسسيين يتوقعون ارتفاع سعر الذهب العام المقبل.
في المقابل، توقع ما يزيد قليلاً عن 5 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع عودة الأسعار إلى ما بين 3500 و4000 دولار خلال الـ 12 شهراً القادمة.
اتجاه صاعد
من جانبه، يقول الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر لدراسات أسواق المال، عمرو زكريا عبده، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- من المتوقع أن يواصل الذهب تحليقه خلال العام المقبل 2026، وإن كان بوتيرة أقل من الارتفاعات القوية التي شهدناها في عام 2025.
- سعر الأونصة قد يصل إلى نحو 4,500 دولار أميركي بحلول منتصف عام 2026.
- التوجه الصاعد لا يزال قائماً رغم التباطؤ النسبي في وتيرة النمو.
ويضيف أن استمرار الدعم لأسعار الذهب يعود إلى مجموعة من العوامل الأساسية؛ أبرزها انعكاس سلوك المستثمرين، حيث قامت صناديق تداول الذهب بإضافة أكبر كمية من الأصول منذ عام 2020.
ويتابع أن التوقعات بخفض أسعار الفائدة، إلى جانب استمرار البنوك المركزية في تراكم احتياطياتها من الذهب، بالإضافة إلى تعزيز الطلب على الأصول الحقيقية كتحوط ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي، كلها عوامل تدفع الأسعار لمزيد من الصعود.
ويشير عبده إلى أن التحركات الأخيرة في السوق تعكس ثقة متزايدة من جانب المستثمرين في الذهب كملاذ آمن، خاصة في ظل استمرار الضبابية الاقتصادية على المستوى العالمي.
ويختتم حديثه بالقول: “في رأيي، سيعتبر المستثمرون أي انخفاض في الأسعار خلال الفترة المقبلة فرصة سانحة للشراء، وليس إشارة على تراجع الاتجاه الصاعد.”
صورة إيجابية
في سياق متصل، رفع دويتشه بنك توقعاته لسعر الذهب في عام 2026 إلى 4450 دولارا للأونصة في المتوسط من 4000 دولار، وفق رويترز. ويشير البنك إلى استقرار تدفقات المستثمرين والطلب المستمر من البنوك المركزية.
وأبقى البنك على توقعاته لسعر الذهب في عام 2027 عند 5150 دولارا، قائلا إنه “يتأرجح بين عدم اليقين” بين سيناريوهات العمل المعتادة وارتفاع الطلب الرسمي.
بينما حذر دويتشه بنك من أن المخاطر الرئيسية تشمل الارتباط الإيجابي للذهب بالأصول الخطرة، واحتمال تخفيف سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشكل أقل مما تتوقعه الأسواق في عام 2026، واحتمال أن يبطئ مديرو الاحتياطي مشترياتهم.
5 آلاف دولار
من جانبه، تقول خبيرة أسواق المال حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- استهداف الذهب مستوى 5000 دولار للأونصة مع بداية العام الجديد يمثل بداية حقيقية لرحلة صعود قوية، مدفوعة باستمرار حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة والعالم.
- استمرار الحروب، وتفاقم الخلافات بين الدول، إلى جانب تراجع الثقة في بعض الأصول الرقمية بعد تراجعات بيتكوين، عوامل تعزز من مكانة الذهب كملاذ آمن، وهو ما يدعم الاتجاه الصاعد للمعدن النفيس خلال الفترة المقبلة.
- أي تصحيحات سعرية يشهدها الذهب تمثل فرصاً جيدة للشراء.
- عمليات بيع جزء من احتياطيات الذهب لم تمنع المعدن الأصفر من مواصلة الصعود، بل كان ذلك بمثابة “استراحة محارب” قبل استكمال المسار الصاعد من جديد.
وتتابع: “أتوقع وصول الذهب إلى 5000 دولار للأونصة مع مطلع العام الجديد، مع احتمالات استمرار الصعود دون سقف محدد في المدى المتوسط، رغم لجوء بعض المتعاملين إلى جني الأرباح عند كل موجة ارتفاع، مقابل دخول مستثمرين جدد طامعين في مزيد من المكاسب”.
وتشدد على أن الذهب “سيبقى أحد أهم أدوات التحوط والنمو خلال المرحلة المقبلة في ظل البيئة الاقتصادية والسياسية المضطربة عالمياً”.
موجة صعود
يتفق خبير أسواق المال حسام الغايش مع الآراء المذكورة، مشيراً إلى أن الذهب شهد خلال العام 2025 موجة صعود لافتة أعادت تسليط الضوء على احتمالات بلوغه مستويات تاريخية في 2026، بدعم من مجموعة واسعة من المحركات الأساسية.
- يأتي في مقدمة هذه العوامل تزايد إقبال البنوك المركزية حول العالم على شراء الذهب بهدف تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار، ما يعزز الطلب الهيكلي على المعدن النفيس.
- كما تسهم صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب في رفع الطلب وتقليص المعروض القابل للتداول، مما ضاعف الضغوط الصعودية.
- تراجع الدولار وتنامي توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية يزيدان من جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد التضخم وتقلبات العملات، في حين تدفع حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي – من الحروب وارتفاع الديون السيادية إلى مخاطر الركود – المستثمرين نحو الأصول الآمنة وعلى رأسها الذهب، الذي بات يُنظر إليه كأصل استراتيجي طويل الأجل لا مجرد ملاذ تقليدي.
مع ذلك، يحذّر من مخاطر قد تكبح الصعود، أبرزها حال إبقاء الفيدرالي الأميركي الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وانتعاش الاقتصادات الكبرى أو قوة الدولار، إضافة إلى تراجع التوترات الجيوسياسية. كما قد يؤثر أي تغيير في سياسات شراء البنوك المركزية، أو اكتشاف مناجم جديدة، أو إعادة التوازن الاستثماري بين الذهب والمعادن الأخرى، فضلًا عن التقلبات الحادة في الأسعار التي قد تبطل شهية بعض المستثمرين.
ويختتم حديثه بالتأكيد على أن بلوغ مستويات 5000 دولار يبدو ممكناً في السيناريو المتوسط إلى المتفائل، شرط استمرار الطلب المرتفع وبقاء الدولار ضعيفًا، مع ضرورة التعامل مع الذهب كجزء من محفظة متنوعة لا كرهان منفرد.
رئيس DHF Capital: الذهب إلى 5000 دولار هذا العام

