قبل الحرب كانت احياء العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى تشهد خلال الايام الاخيرة التي تستبق بدء شهر الصيام حملات نظافة عامة في الشوارع وصيانة للإضاءات الخارجية وغيرها من المظاهر حيث اعتاد الناس على تناول الافطار بشكل جماعي في كل حي وحتى في الطرقات العامة، لكن الحال تغير تماما فقد انعدمت مظاهر الاحتفاء خصوصا في العاصمة الخرطوم التي فر منها بسبب القتال ما يقدر بـ 80 في المئة من سكانها البالغ تعدادهم نحو 8 ملايين نسمة قبل الحرب.
ووفقا لمحمد شريف الذي كان من القليلين الذين بقيوا في بيوتهم في منطقة “الكلاكلة” بجنوب الخرطوم، فإن الهم الأمني هو الأكبر بالنسبة لهم.
ويوضح في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: “قبل الحرب كانت تغطن في الشارع الواحد نحو 50 أسرة، ينقسمون على مائدتين أو ثلاثة، لكن الحال تغير كثيرا، فبالكاد تجد ثلاث أو أربع أسر في الشارع الواحد (…) لقد فر الجميع ولم يبقى سوى المضطرين مثلي”.
ويضيف “لا اعتقد أن أحد من سكان العاصمة المتبقيت سيفكر في تناول إفطاره في الشارع، فلا زالت الأوضاع الأمنية تشهد ترديا مريعا وعلى المرء أن يتوقع سقوط مقذوف قاتل في أي وقت، كما أن انقاض البيوت المهدمة تملا الشوارع أيضا”.
ويشير شريف إلى ان فكرة الافطارات الجماعية في الشوارع كانت تهدف في السابق إلى تلاقي الجيران، وإطعام عابري الطريق، لكن الوضع اختلف فلم يعد هنالك جيران أو عابري طريق وحتى القليل ممن تبقوا في أحيائهم سيفضلون الاحتماء ببيوتهم.
على غير ما اعتادت عليه المدن الكبيرة من ازدحام شديد في الأسواق خلال الأيام الأخيرة التي تسبق قدوم شهر الصيام، تعيش الأسواق حالة من الركود الشديد في ظل ارتفاع معظم السلع المحلية الأساسية بنسب تتراوح ما بين 200 إلى 400 في المئة مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، كما تكاد تنعدم السلع المستوردة التي ترتفع أسعارها بشكل كبير بسبب تراجع قيمة الجنيه حيث يشتري المستوردين الدولار الواحد بنحو 2500 جنيه مقارنة باقل من 600 جنيها قبل اندلاع القتال.
وتتفاقم الأزمة اكثر في ظل فقدان أكثر من 60 في المئة من السكان مصادر دخلهم الأساسية، والصعوبات الكبيرة التي تواجه الكثيرين في الحصول على “الكاش” بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي بتغيير العملة الوطنية والتي حدت من معدلات السحب اليومي، رغم ضعف تغطية أنظمة الشراء الإلكتروني، مما دفع التجار في العديد من المناطق لرفع قيمة الشراء بالدفع الإلكتروني بنسب تزيد بنحو 15 في المئة عن السعر الحقيقي.
ويقول علي يوسف لسكاي نيوز إنه خرج من منزله بمنطقة الثورات بحذر شديد في ظل استمرار القصف العشوائي وحالة الانفلات الأمني الشديد، لكنه تفاجأ عند وصوله إلى أحد الأسواق القريبة بأن الميزانية التي أعدها لشراء مستلزمات شهر رمضان لا تكفي لجلب نصف احتياجاته.
وبحسرة شديدة يوضح يوسف “لقد ضغطت علينا الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير لذلك سنضطر لجلب القليل من السلع الأساسية ونكتفي بما يسد رمق الصيام (…) لم يعد هنالك مجال للخروج بمائدة الفطور الوفيرة التي اعتدنا عليها قبل الحرب”.