القرار، الذي صدر بتاريخ 17 نوفمبر الماضي عن لجنة تجميد أموال الإرهابيين، جاء ليضع العراق أمام اختبار دقيق لتوازناته الإقليمية وقدرته على إدارة ملف حساس يتداخل فيه الضغط الأميركي والإيراني، في وقت لا يزال فيه ملف حصر السلاح ومكافحة التنظيمات المسلحة معلقا.
خطأ وارتباك
وفق ما أكده البنك المركزي العراقي، فإن القائمة الأصلية كانت مخصصة حصرا للكيانات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، وأن إدراج حزب الله والحوثيين كان نتيجة خطأ في النشر قبل التنقيح.
وفي هذا السياق، أصدر رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني توجيها بإجراء تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، مؤكدا أن موافقة الجانب العراقي على تجميد الأموال كانت بناءً على طلب من ماليزيا.
الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية مهند العزاوي أوضح في حديثه لبرنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية” أن هذا الخطأ، رغم أنه بدا شكليا، أحدث ارتباكا كبيرا على المستويين المحلي والإقليمي.
وأشار العزاوي إلى أن جريدة الوقائع العراقية تصدرها وزارة العدل بعد تمحيص ومراجعة من قبل مجموعة من الوزارات واللجان، ما يجعل أي خطأ في النشر قضية معقدة يصعب تصحيحه بسهولة، خصوصا في ظل فراغ تشريعي وغياب حكومة كاملة الصلاحيات.
العراق تحت ضغط المحاور
وفق العزاوي فإن العراق يعيش مرحلة حرجة على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية، معتبرا أن الولايات المتحدة الأميركية تضع معايير متعددة لتقييم موقع العراق في المنطقة، بما في ذلك الانفصال عن التبعية لإيران.
وأضاف أن مؤشرات أميركية متعددة، تشمل زيارات دبلوماسية وتحركات عسكرية، تؤكد رغبة واشنطن في إعادة تعريف الردع ومعالجة التهديدات المرتبطة بالفصائل المسلحة.
وأوضح العزاوي أن الحكومة العراقية “تسعى للقيام بدور جسر بين الشرق والغرب ضمن سياسة متوازنة، محاولا استغلال موقع العراق الاستراتيجي لتعزيز الاستقرار والتنمية. إلا أن الخطأ في إدراج حزب الله والحوثيين يبرز هشاشة الإدارة في ظل تأثيرات خارجية كبيرة، بين ضغط الولايات المتحدة التي تسعى للحد من نفوذ الفصائل المسلحة، والضغط الإيراني الذي يسعى لتعزيز أوراقه التفاوضية”.
وحسبما قال العزاوي، فإن العراق “يعاني من فراغ تشريعي يحدّ من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات مستقبلية، كما أن الرئيس العراقي لا يمتلك صلاحية كاملة لتعديل القرارات في ظل حكومة تصريف الأعمال. هذا الواقع يعقّد إمكانية تصحيح الخطأ بشكل فوري، ويجعل أي قرار في الجريدة الرسمية ملزما للتنفيذ حتى صدور تعديل رسمي لاحق”.
المؤشرات الأميركية وتأثيرها
خلال حديثه إلى “سكاي نيوز عربية” لفت العزاوي إلى أن الولايات المتحدة، من خلال تصريحات المسؤولين وزياراتهم الدبلوماسية “تشير إلى ضرورة فصل العراق عن النفوذ الإيراني، والعمل على إنهاء تواجد الفصائل المسلحة على الأراضي العراقية، مضيفا أن التحذيرات الأميركية “تشمل إمكانية استخدام القوة في حال تدخل الفصائل العراقية، ما يعكس استراتيجية (السلام من خلال القوة) التي تتبعها واشنطن في المنطقة”.
ويرى العزاوي أن العراق “يقف عند مفترق طرق حاسم: إما بناء دولة القانون القادرة على استعادة احتكار السلاح وحماية المؤسسات وجذب الاستثمار، أو العودة إلى الدوامة التي عانى منها لسنوات نتيجة تداخل السياسة بالسلطة غير الرسمية”.
وأكد أن “قدرة الحكومة على إدارة هذا الملف بعقلانية وشفافية ستحدد موقع العراق الإقليمي والدولي، لا سيما في مرحلة بعد الانتخابات التي لم تسفر عن قوة سياسية فائزة تمثل الأغلبية التشريعية”.
الدروس المستفادة
يشير الخبراء إلى أن التجربة اللبنانية مع حزب الله تقدم دروسا للعراق، خاصة فيما يتعلق بتقليص قدرات الفصائل المسلحة والتعامل مع تهديداتها دون انهيار الدولة.
وذهب العزاوي في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” إلى أن العراق “بحاجة لسياسات واضحة ومتسقة للتعامل مع القوى الإقليمية، ومواجهة الضغوط الخارجية، والحفاظ على استقلال القرار الوطني”، معتبرا أن “أي خطوات غير مدروسة قد تزيد من تعقيد الوضع الداخلي وتضعف من قدرة العراق على لعب دور فاعل على الصعيد الإقليمي”.

