قبل أشهر، تداعت عدة دول في أوروبا والعالم إلى الاعتراف بدولة فلسطين فيما كانت الحرب في أوجها بقطاع غزة. حينها انهالت الخطابات التي أشادت بـ”صوابية الاعتراف وتوقيته المُحكم”، بينما كان الفلسطينيون يرون الأرض تنكمش أمامهم يوما بعد آخر وتكاد تتحوّل إلى سراب.
ويوم الثلاثاء، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين يدعوان إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وهضبة الجولان السورية. وجاء أحد القرارين، الذي حظي بتأييد 151 دولة، تتويجًا لمساعي سبتمبر الماضي الرامية إلى الاعتراف بفلسطين وإرساء أسس واضحة لحل الدولتين.
ويعتقد البعض أنه رغم أهمية الاعتراف بالدولة، فإنها لا تعدو سوى أن تكون لفتةً رمزية ، خاصّة في ظل تَداعِي كل مقوّمات إقامتها على الأرض. وقد عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن ذلك صراحة قبل أشهر حين توجّه بكلامه للرئيس الفرنسي إيمانويل لماكرون الذي قاد المبادرة فقال له: “أنتم ستعترفون بدولة على الورق ونحن سنبني دولة إسرائيل على الأرض”.
غزة والضفة الغربية
عام 2005، انسحبت إسرائيل من غزة بعد احتلال استغرق 38 عاما احتلت فيه 20% من القطاع وأقامت عليه 21 مستوطنة تم تفكيكها بعد الانسحاب الذي قاده رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها أرييل شارون. لكن اليوم وبعد 20 عاما، تعود الدولة العبرية إلى غزة لتسيطر على أكثر من 53% من القطاع في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحركة حماس.
في الجانب الآخر، هناك الضفة الغربية. يومًا بعد آخر، ثمة استمرار في قضم الأراضي الفلسطينية بالضفة المحتلة التي تشهد بانتظام عمليات أمنية واسعة، يُعتقد أن أحد أهدافها هو تهجير الفلسطينيين بحسب يومي نيومان، الزميلة المساعدة في معهد واشنطن والرئيسة السابقة لوحدة البحث في جهاز الأمن الإسرائيلي، بات الأسئلة أكثر إلحاحًا من ذي قبل: ما هي أهم المنعطفات التي حالت دون قيام دولة فلسطينية؟ والسؤال الأهم هو: كيف انتهى الأمر بالفلسطينيين بالحصول على نحو 10% فقط من أراضي فلسطين التاريخية؟
قرار التقسيم
قبل 78 عامًا، عقب إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها لفلسطين، أصدرت الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قرارًا يقضي بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين، واحدة عربية والثانية يهودية.
حمل ذاك القرار الرقمَ 181، ونصّ على إعطاء اليهود الذين كانوا أقلية لا تتجاوز نسبتهم 6.5% مساحة 55% من الأراضي مقابل 43% للفلسطينيين، على أن توضع مدينتا القدس وبيت لحم تحت إدارة دولية.
وقد حظى القرار بموافقة كل من الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة، والجاليات اليهودية حول العالم، بينما رفضه العرب بشدة وصوتّوا ضدّه، واعتبروه مجحفًا بحق الفلسطينيين.
بعد ذلك، أعلنت العصابات اليهودية المسلحة “الهاغانا” التعبئة العامة، ودعت جميع اليهود الذين تبلغ أعمارهم ما بين 17 و 25 عامًا إلى المشاركة في الخدمة العسكرية والقتال.
هزيمة جيش الإنقاذ
في المقابل أنشأت جامعة الدول العربية، التي كانت تضم آنذاك مصر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان والعراق، جيشًا سُمي في البداية بـ”جيش التحرير”قبل أن يتغير اسمه إلى “جيش الإنقاذ”.
علّق العرب آمالهم على هذا الجيش، الذي فشل في طرد المنظّمات الصهيونية المسلّحة، واختلفت التفسيرات في أسباب هزيمته وانكساره. فهناك من بين اعتبر أن جيش الإنقاذ ذهب للقتال دون تنظيم أو إدارة أو معدّات عسكرية، خاصة وأنه دفع بـ 3 آلاف مقاتل فقط في معركة القدس التاريخية لمواجهة 10 آلاف جندي مدرّب من الهاغانا وشتيرن، وبين من اعتبر الأمر “تخاذلًا من القادة العرب” الذين كانوا أنفسهم متذبذبين مشتّتين، لا يتفرّدون بقرارهم بسبب رواسب الاستعمار بحسب قول أصحاب هذا الرأي.
في المقابل، كانت “الهاغانا” بقيادة ديفيد بن غوريون الذي أصبح بعدها رئيسا لوزراء دولة إسرائيل، تعمل وفق الخطة “دال” التي تألفت من 3 مراحل، وكانت تهدف إلى السيطرة العسكرية الكاملة على الأراضي المخصصة “للدولة اليهودية” بموجب قرار التقسيم، لكن تلك القوات توسّعت لاحقًا وسيطرت على مساحة 78% من فلسطين التاريخية وأعلنت في 14 مايو 1948 قيام دولتها على مساحة أكبر من تلك الممنوحة لها بموجب القرار الأممي.
في غضون ذلك، طُرد أو هَرب أكثر من 750،000 فلسطيني إلى دول الجوار لتصبح “النكبة” بصمة وجرحا غائرا في وجدان الشعب الفلسطيني خصوصًا والعربي عمومًا، وتأسست حينها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أجل الاستجابة لحاجات اللاجئين الصحية والتعليمية.
قد يدفعنا هذا السياق، الذي يوضّح بجلاء تقلّص الأراضي الممنوحة للفلسطينيين بين عام 1947 واليوم، إلى طرح سؤال طبيعي وملحّ: هل كان الخطأ في رفض العرب قرار التقسيم؟
في حديثه مع “يورونيوز”، يقول الصحفي والباحث الفلسطيني عبدالرحمن نصّار: “الفلسطينيون لم يخطئوا في رفض القرار 181، لأن هناك فرقًا في الخطأ ما بين التكتيك والخطأ في المبدأ. فإذا كان في المبدأ أنه يحق لغير الفلسطينيين أن يأخذوا من الأرض تحت أي عنوان، تاريخي أو ديني أو إنساني، فإن الفلسطينيين يحق لهم أيضا رفضُ أي تنازل حتى لو كان مترًا واحدًا فقط، حتى لو كانت النتيجة ضياعَ البلد بأكمله بسبب فارق القوة.”
ويضيف نصّار: “عرض التقسيم كان مطروحًا عام 1947، والنكبة وإعلان دولة إسرائيل حصل في 1948، وهذا الفارق الزمني البسيط يكشف أن هناك نية مبيّتة لقيام دولة دون أخرى.”
إلى جانب ذلك، يرى نصّار أن وعد بلفور “ما كان بالضرورة أن يُنفّذ” لأن بريطانيا كانت “تريد فلسطين لنفسها”، خاصة أنها عملت منذ عام 1860 على استكشاف البلاد، ويعتقد أنها “أُخرجت مرغمة منها بسبب التفجيرات اليهودية والثورات الشعبية الفلسطينية والمؤامرات الفرنسية”، وفق تعبيره، موضحًا أنها حاولت “إظهار انتدابها لفلسطين بصورة جميلة مقارنة بالصور القبيحة للانتداب في الهند وإيران ومصر”.
ويتابع: “لكن في النهاية، عندما ضعفت فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية وورثت كامل المنطقة وأنشأت دولة إسرائيل.”
كذلك، يعتقد الدكتور مجدي المالكي، مدير مكتب رام الله في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أنَّه “بالنظر إلى السياق التاريخي الذي صدر فيه قرار التقسيم، من الطبيعي أن يرفض الفلسطينيون إعطاء أكثر من نصف المساحة لليهود الذين كانوا يشكّلون نحو 30% من السكان، رغم أنه كان واضحًا أن المشروع الإسرائيلي سيتطوّر”.
ويتابع: “عشية النكبة، كانت هناك 247 مستعمرة فقط، وكان اليهود يسيطرون على نحو مليون و800 ألف دونم، وهي مساحة صغيرة لا تتعدى 6.6% من مساحة فلسطين التاريخية. لذلك، كان الرفض طبيعيًا، ولم يكن أحد يتوقّع ما سيحدث لاحقًا”.
ويرى مجدي أن القوات العربية التي دخلت للحرب آنذاك كانت تدرك جاهزية المنظمات الصهيونية، “وتدرك أن اليهود مدعومون من قوة عظمى هي بريطانيا” معتبرًا بأن جيش الإنقاذ حارب “كنوع من رفع العتب” وأكّد أن “ما يحدث اليوم هو صورة مشابهة للماضي، باختلاف الوسائل، في السابق الجيش العربي تدخّل، واليوم الدبلوماسية العربية تمهّد لضياع فلسطين”.
حرب 1967
بعد 1967 تطوّر الصراع الإسرائيلي-العربي بفعل حرب الأيام الستة أو حرب الخامس من حزيران، التي استطاعت إسرائيل بفضلها احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية، وقامت بتأسيس مستوطنات يهودية في كل تلك الأراضي، رغم صدور القرار الأممي رقم 242، الذي طالبها بالانسحاب، وباتت تل أبيب تسيطر على مساحة 88,925 كم² من أراضي فلسطين التاريخية ودول الطوق مجتمعة.
اتفاقية أوسلو
في عام 1993، وقّع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين “إعلان المبادئ” المعروف باتفاقية أوسلو، والذي كان يفترض أن يقود إلى تسوية نهائية خلال خمس سنوات بعد إنشاء سلطة فلسطينية، ستتفاوض مع إسرائيل في مسائل عدة من بينها مستقبل القدس، المستوطنات، الحدود، مسألة اللاجئين وغيرها. وبفضل هذا الاتفاق، كانت هذه المرة الأولى التي يعترف فيها الطرفان رسميًا ببعضهما البعض.
وعاد عرفات ومن معه إلى الأراضي الفلسطينية بعد عقود من المنفى في تونس وقبلها لبنان ورأت السلطة الفلسطينية النور. لكن تلت ذلك سنواتٌ عجاف. إذ استمرّ التوسع الاستيطاني وتصاعد، وفي عام 1995، وُقّعت اتفاقية أوسلو الثانية (أوسلو 2)، التي قسّمت الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاثة أقسام:
- المنطقة أ (نحو 18%): تخضع لسيطرة مدنية وأمنية كاملة للسلطة الفلسطينية.
- المنطقة ب (نحو 22%): إدارة مدنية فلسطينية، مع بقاء الأمن بيد إسرائيل.
- المنطقة ج (نحو 60%): تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة مدنيًا وأمنيًا
مع ذلك، هناك من يعتبر أن هذه الاتفاقية لم تنه “الاحتلال” كما كان يطمح إليه الشعب الفلسطيني، بل أعادت فقط تنظيمه. ويرى البعض الآخر أن أوسلو ساهمت في تقزيم المشروع الفلسطيني: فالمشروع الذي كان يهدف في البداية إلى تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، أصبح يهدف فقط إلى إنشاء دولة فلسطينية محدودة في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي منح الفلسطينيين حوالي 10% فقط من الأراضي الكاملة.
وفي قطاع غزة أيضًا، يفيد تقرير الأمم المتحدة عام 2005، أنه كان هناك نحو 8,000 إلى 9,000 مستوطن يسيطرون على حوالي 20% من أراضي قطاع غزة، على الرغم من أن عدد السكان الفلسطينيين تجاوز في تلك الفترة 1.3 مليون نسمة.
ومع أن المالكي يتفق مع الرأي الذي يعتبر أن أوسلو أتت بنتائج سيئة، إلا أنه يسأل: “عن البديل الذي كان موجودًا آنذاك؟” شارحًا أنه “تم خطف المفاوضات باعتبار أنه لم يكن هناك تشاركية من المجتمع المدني وأوكلت هندسة الاتفاق إلى مجموعة صغيرة فقط”.
ويؤكد المتحدّث أن السلطة الفلسطينية لم “تستطع الحفاظ على نتائج الاتفاق بسبب نزعتها الفصائلية، غير الوحدوية ، وبسبب الفساد المستشري في منظمة التحرير والأوهام التي قُدّمت لها”. لكنه يرى أنه “رغم كل الملاحظات على أوسلو، فكان يمكن البناء على هذه الاتفاقيات الضعيفة للحصول على مكتسبات أفضل على الأرض وتعزيز الحصانة والتضامن والعون الوحدوي الذي جسّدته الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة”.
ويعتبر المالكي أن “ذلك لم يتم، بل جرى تفتيت المجتمع الفلسطيني إلى فئات تحكمها المصالح الضيقة وظهر أغنياء جدد برزوا في السنوات الخمس الأولى” وبالتالي فشلت السلطة في استثمار مكتسبات اتفاقيات أوسلو، “التي هي نتيجة هزيمة الجيوش العربية، وخاصة العراق، ونتيجة هزيمة منظمة التحرير عام 1982” وخروجها من لبنان بعد غزو إسرائيل لبيروت.
التوسع في عهد سموتريتش
بعد أوسلو، الاستيطان لم يتوقف أبدًا، إلا أنه شهد طفرة كبيرة بعد تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء للمرة الثانية، وتعيين بتسئليل سموتريتش في وزارة المالية، بالإضافة إلى توليه منصبًا داخل وزارة الدفاع مسؤولا عن شؤون الضفة الغربية.
وقد شرع الأخير في تنفيذ سلسلة من الإجراءات التي شكّلت تحوّلًا جذريًا في إدارة الاستيطان. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقد أقرت إسرائيل في عام 2023 بناء 12,349 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية – باستثناء القدس الشرقية – وهو أكبر توسع سنوي منذ اتفاقيات أوسلو.
ومؤخرًا، وافقت الحكومة على إنشاء مشروع “E1“، الذي ينص على بناء أكثر من 3,400 وحدة سكنية في منطقة تقع بين القدس وأريحا، والتي تُعدّ الجسر البرّي الوحيد الممكن بين جنوب الضفة الغربية (بيت لحم والخليل) ومركزها وشمالها (رام الله ونابلس)، ما يقوّض بشكل كبير إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل، ويجعل كلمات كاتس، بشأن “إنشاء دولة على ورق” أقرب إلى الواقع منه إلى التصريحات السياسية في منابر الأمم المتحدة وغيرها.
ومنذ أكتوبر 2023، وصل عدد المستوطنات الجديدة التي أُقرّت إلى 49 مستوطنة، أي ما يعادل سبعة أضعاف المتوسط السنوي في العقود السابقة.
مستقبل قيام دولة فلسطين
يرى نصّار أن هناك “فرصة لقيام دولة فلسطينية”، معارضًا من يقول إنه لا توجد رغبة أمريكية، ويضيف: “لا يستطيع أي طرف، بمن فيها إسرائيل، إنكارُ وجود الفلسطينيين وتعدادهم الكبير، لذلك كل ما يقومون به هو تأجيل الحلّ فقط.”
ويشير نصّار إلى أن غزة، رغم أهوال الحرب التي حوّلتها من “أكبر سجن مفتوح في العالم إلى أكبر مخيّم للاجئين في العالم”، أعادت مسألة الصراع إلى “نقطة الصفر”، وجعلت الأسئلة حول ضرورة إيجاد حلّ للفلسطينيين أكثر إلحاحًا.
ويضيف: “الخلاف الحالي يدور حول ماهية الحقوق التي يجب أن تُمنح للفلسطينيين. فحتى السعودية، التي باعت فلسطين، لم تعد قادرة على المضيّ في أي اتفاقيات تطبيع كبيرة دون قيام دولة فلسطينية.” وفق تعبيره.
وحول التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، يشير نصّار إلى أن: “حتى كل هذا التوسع الاستيطاني، لا يوجد عدد إسرائيلي لتغطيته. الفلسطينيون يتفوّقون في العدد، وحتى اللاجئون منهم بقوا في دول الطوق، أي لم يستطيعوا أن يبعدوا كثيرًا، والإسرائيليون يمرون بأزمة تعداد (سكاني). العديد من المشاكل داخل الدولة العبرية كان يمكن حلّها لو تدفقت أعداد الجاليات اليهودية الأمريكية إليها، لكن لا يوجد رغبة بذلك.”
ويخلص الباحث إلى أن الواقع الديموغرافي يفرض على الجميع إعطاء الفلسطينيين دولة، “أيا كان شكلها”، لكنه يرى أن الحلّ العادل هو إجراء استفتاء للسكان الأصليين في فلسطين بشأن مصيرهم.
ويختتم بالقول إنّ: “لا أحد يمكنه رسمُ سيناريو واضح وبعيد المدى لمستقبل الضفة، خاصة أن السلطة الإسرائيلية تديرها بتوازن هائل وفق مبدأ ‘حافة الهاوية’، وهناك اعتبارات كثيرة، والقرار الأخير بيد الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك سيكون من الصعب الجزم بأن الأمور ستنفجر، كما من الصعب أيضا الجزمُ بأن الضفة مات نبضها. لكن علينا أن ندرك أن الإنسان إذا دُفع إلى نقطة لا يوجد فيها ما يخسره، سيذهب إلى القتال.” حسب ما قال.
على المقلب الآخر، يبدو المالكي أكثر تشاؤمًا، فيقول إنّه “من المؤكّد أنّه لم تعد هناك أيّ فرصة لقيام دولة فلسطينية، إذ جرى تدمير قطاع غزة والسيطرة على 53% منه وإن كان ذلك لهدف أمني، كما أن إسرائيل تسيطر على نحو 70% من مساحة الضفة الغربية التي تبلغ حوالي 5 آلاف كيلومتر مربع، فضلًا عن محاصرة نحو 3 ملايين فلسطيني في ما تبقّى من مناطق الضفة”.
ويتابع: “لقد جرى تفتيت الضفة الغربية بشكل كامل، إذ أصبحت كل منطقة محاطة ببوّابات، وانتشرت الحواجز بشكل كبير، حتى باتت كل منطقة محلية تمتلك جامعة خاصة، ولم تعد هناك جامعات وطنية. كما أصبح السفر غير آمن، ولجأ الفلسطينيون إلى المستوصفات نظرًا لصعوبة الوصول إلى المستشفيات في المدن الكبرى، وحاليًا لا يمكن التخطيط لأيّ شيء”.
ويشرح المالكي أن هذه السياسات “تترك انعكاسات سلبية على الشباب من خلال تفاقم البطالة وازدياد الفقر، خصوصًا بعد منع العمال الفلسطينيين من العمل في المنشآت الإسرائيلية”. مؤكّدًا أن الدولة العبرية “لن تتراجع عن إجراءاتها، فهذه ليست سياسات بدوافع أمنية أو عقابية بل هي استراتيجية”. ويضرب مثالًا بمشروع “E1” الذي سيقسّم الضفة إلى شمال وجنوب، معتبرًا أنه سيكون نهائيًا ولا عودة عنه، تمامًا كالجدار الفاصل بعد الانتفاضة الثانية عام 2000.
ويختتم المالكي بالقول إننا نشهد “انتهاء الكيانية الفلسطينية وما تمثّله السلطة من مؤسّسات”، وإن إسرائيل “تعمل على القضاء على السلطة وتحويلها إلى مجرّد بلدية” وفق تعبيره.

