بقلم: يورونيوز
نشرت في
في خطوة وصفها مراقبون بأنها “واحدة من أعنف الضربات التي تتلقاها المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية في العصر الحديث”، بدأت وزارة الخارجية الأمريكية تنفيذ أولى مراحل تسريح أكثر من 1350 موظفًا مقرهم الولايات المتحدة، في تحوّل هيكلية يقوده الرئيس دونالد ترامب ضمن برنامجه السياسي الطموح “أميركا أولًا”.
القرار، الذي طال نحو 1,107 موظفين من الخدمة المدنية و246 من الدبلوماسيين في الخدمة الخارجية، يأتي في ظل تصاعد التوترات الدولية، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، مما أثار مخاوف داخل الأوساط الدبلوماسية والسياسية من أن تُضعف هذه الخطوة القدرة الأمريكية على إدارة الأزمات وحماية المصالح الوطنية خارج الحدود.
وجاء في تعميم داخلي أُرسل إلى الموظفين أن الوزارة تعمل على “تبسيط العمليات الداخلية لتركيز الجهود على الأولويات الدبلوماسية”، مؤكدًا أن التخفيضات استهدفت “وظائف غير أساسية، مكاتب مكررة أو زائدة، وأخرى يمكن تحقيق كفاءات كبيرة فيها”.
لكن مسؤولين سابقين ودبلوماسيين متقاعدين حذروا من أن هذا التخفيض الجماعي، الذي قد يشمل في مجمله نحو 3000 وظيفة من أصل 18 ألفًا داخل الولايات المتحدة وفقاً للتعميم الداخلي، يُهدّد بتفريغ السلك الدبلوماسي من الخبرات، ويُضعّف القدرة على مواجهة منافسين استراتيجيين مثل الصين وروسيا.
وأكد السناتور الديمقراطي تيم كين من ولاية فرجينيا في بيان شديد اللهجة: “مرة أخرى، يُضعف الرئيس ترامب ووزير الخارجية روبيو مكانة الأمن والاستقرار الأمريكيين”.
وأضاف: “لا يمكن تخيّل لحظة أكثر سوءًا لاتخاذ قرار أغرب ما يكون؛ ففي الوقت الذي توسّع فيه الصين نفوذها الدبلوماسي وتُنشئ شبكةً متقدمةً من القواعد العسكرية والمطارات حول العالم، وتستمر روسيا في عدوانها الوحشي المستمر منذ سنوات ضد دولة ذات سيادة، يشهد الشرق الأوسط انزلاقًا متواصلًا من أزمة إلى أخرى”.
وداع مؤثر واحتجاج رمزي
وظهرت آثار القرار بوضوح صباح الجمعة في مقر وزارة الخارجية بواشنطن، حيث احتشد العشرات من الموظفين في اللوبي الرئيسي للمبنى في مشهد رمزي ومؤثر، حيث ودّعوا زملاء تم تسريحهم بالتصفيق والدموع، ورفع آخرون لافتات تحمل عبارة “شكرًا أيها الدبلوماسيون الأمريكيون”. وقد حضر الفعالية السناتور الديمقراطي كريس فان هولن.
في المكاتب المخصصة لاستقبال الموظفين المسرّحين، توزّع العاملون على تسليم الهواتف والحواسيب وبطاقات الهوية، وسط إعدادات مكتوبة تحمل عبارة “يوم المعالجة الانتقالية”، فيما تم توزيع مذكرات رسمية من خمس صفحات تحمل تعليمات رسمية للموظفين، توضح أنهم سيفقدون الوصول إلى البريد الإلكتروني والمبنى عند الساعة 5 مساءً بالتوقيت الشرقي.
إعادة الهيكلة السياسية
القرار ليس بمعزل عن التوجّه الأوسع لإدارة ترامب، الذي بدأ في فبراير الماضي عندما أمر الرئيس وزير الخارجية ماركو روبيو بإعادة هيكلة الخدمة الخارجية “بشكل كامل”، في إطار حملة أعلن عنها لـ”تطهير الدولة العميقة” من موظفين يُعتبرون غير موالين.
وكان روبيو قد أعلن في أبريل خطة إصلاحية طموحة تهدف إلى “إعادة ترتيب الأولويات” في الوزارة، عبر إلغاء مكاتب تُعتبر “غير فعالة”، ونقل الصلاحيات إلى السفارات والمكاتب الإقليمية، ووقف برامج لا تتماشى مع المصالح الجوهرية للولايات المتحدة.
ومن بين أبرز التغييرات المتضمنة في الخطة: إلغاء منصب المسؤول الرفيع لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإغلاق مكاتب مختصة بمراقبة الجرائم الحربية والصراعات.
ورغم تأجيل تنفيذ بعض مراحل الإصلاح بسبب دعاوى قضائية، فإن قرار المحكمة العليا الأمريكية قبل أيام بتمكين الإدارة من تنفيذ التسريحات فتح الباب أمام تنفيذ واسع النطاق، وبدأ مكتب المستشار القانوني للبيت الأبيض وهيئة الخدمة المدنية بالتنسيق مع الجهات الفيدرالية لضمان التزام الخطط بالقانون.