نشرت في
اعلان
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صعّد بدوره، ملوّحًا بتهديدات تطال دول المنطقة التي تستضيف قيادات من حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، بعد الضربة التي استهدفت مقرًا للحركة في الدوحة. ومن هنا، يُثير التوتر الراهن بين القاهرة وتل أبيب تساؤلات حول مدى قدرة هذا التوازن على الصمود في وجه التصعيد المستمر.
إرث “السلام البارد”
منذ كامب ديفيد عام 1979، حافظت الدولتين على علاقة مستقرة إن اقتصرت على نطاق محدود، تغلب عليها مشاعر عداء متجذرة في الوجدان الشعبي المصري الرافض للتطبيع.
وقد لعبت الولايات المتحدة دور الضامن عبر مساعدات سخية بدأت منذ 1980، جعلت مصر ثاني أكبر متلقٍّ للدعم الأمريكي بعد إسرائيل، شرط المحافظة على العلاقة مع تل أبيب. وإلى جانب ذلك، عززت واشنطن التعاون العسكري مع مصر في إطار معادلة ترسّخ أولوية التفوق الإسرائيلي.
في سيناء، شكّل الإطار الأمني المنبثق عن كامب ديفيد قاعدة للتعاون، لكن رغم ارتفاع مستوى التنسيق مطلع العقد الماضي، ظل التعاون العسكري محدودًا من دون مناورات مشتركة.
اقتصاديًا، أطلقت الولايات المتحدة عام 2004 اتفاق “المناطق الصناعية المؤهلة” (QIZ) الذي سمح لمصر بتصدير منتجات إلى السوق الأمريكية من دون رسوم شرط إدخال مكونات إسرائيلية. وقد عزز الاتفاق الصادرات المصرية وفتح شراكات صناعية في مجالات النسيج والكيماويات والبلاستيك.
أما في مجال الطاقة، فقد مثّل خط أنابيب الغاز بين العريش وعسقلان، الذي بدأ العمل عام 2008، أول نافذة تعاون مباشر. وبعد أن كانت مصر تصدّر الغاز لإسرائيل، انعكس الاتجاه منذ 2020 مع استغلال حقلي تمار وليفياثان. ومع أزمة إنتاج الغاز المحلي وتزايد كلفة استيراد الغاز المسال بعد حرب أوكرانيا، بات الغاز الإسرائيلي ضرورة لتلبية احتياجات مصر الداخلية وللتصدير إلى أوروبا. وهنا برز مشروع خط نيتسانا البري كخطوة استراتيجية لتعزيز صادرات الغاز وأمن الطاقة.
تغيّر المسار وتصاعد التوتر
كشفت التطورات الأخيرة تحولًا في المزاج السياسي، فقد لوّح نتنياهو بعرقلة صفقة غاز بقيمة 35 مليار دولار بذريعة “خروق عسكرية مصرية” في سيناء، ما عُدّ جزءًا من استراتيجية مفتعلة للضغط على القاهرة. وزاد الضغط منذ الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حين طرح مسؤولون إسرائيليون علنًا فكرة تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو ما رفضته مصر بوصفه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وما لبثت أن تعمّقت الأزمة مع سيطرة الدولة العبرية على ممر فيلادلفيا، في خرق للترتيبات الأمنية على الحدود، ومع تراجع مستوى التنسيق الأمني بين الطرفين.
وبعد الضربة الإسرائيلية على قطر، جاء التهديد بتكرار الهجمات على أي بلد يستضيف قادة حماس، في رسالة مبطنة لمصر وتركيا.
في المقابل، رفعت القاهرة من نبرتها محذّرة من أن أي هجوم على أراضيها سيُعدّ إعلان حرب. ورسميًا، صارت مصر تصف ما يجري في غزة بأنه “تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية”، وتصف إسرائيل علنًا بأنها “عدو”.
إسرائيل تُصوّر مصر كـ “تهديد محتمل”
في الأوساط الإسرائيلية، تتكرس محاولة لتأطير مصر كتهديد محتمل. فقد تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اختراق نحو مئة طائرة مسيّرة لأجوائها الشهر الماضي، بعضها مسلح، مع اتهام سيناء بأنها مصدر هذه الطائرات.
وزعمت الصحافة العبرية أن مصر نشرت منظومات دفاع جوي صينية بعيدة المدى شمال سيناء، وحشدت نحو 42 ألف جندي، أي ضعف العدد المسموح به بموجب معاهدة السلام. هذه الروايات، بنظر مراقبين، تحمل دلالات على السعي إلى تأجيج التوتر وإعادة تعريف مصر بوصفها خصمًا محتملًا.
ورغم توصيات مراكز أبحاث أمريكية وإسرائيلية بالحفاظ على الشراكة مع مصر كعامل استقرار إقليمي، يبدو أن نتنياهو يتجه في مسار مغاير، متمسكًا برؤية “شرق أوسط جديد” تكون فيه إسرائيل، لا مصر، محور الربط بين الشرق والغرب. وهو ما يثير قلقًا متزايدًا بشأن نواياه طويلة الأمد حيال الأراضي المصرية، في ظل خروقات متكررة للالتزامات الحدودية في رفح ومحاولات دفع خطط تهجير الغزيين.
وتبرز مصر بدورها المحوري في جهود وقف الحرب على غزة، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، مستندة إلى إرث طويل من استضافة قيادات فلسطينية، وخصوصًا من حركة حماس. غير أن العلاقات مع إسرائيل دخلت اليوم مرحلة توتر غير مسبوق.