نشرت في •آخر تحديث
عشية استضافة السعودية للمحادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا حول كيفية إنهاء الحرب الروسية، محللون يتحدثون لـ Euronews عن الظروف والأسباب التي أصبحت من خلالها الرياض وسيطاً عالمياً لحل النزاعات
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، فرضت السعودية نفسها كوسيط غير متوقع ولكن فعال في قضايا النزاعات.
فبعد أن كانت منذ فترة طويلة قوة عربية بفضل ثروتها النفطية واقتصادها المزدهر واستقرارها السياسي في منطقة مضطربة، بدأت تبرز كلاعب دبلوماسي عالمي رئيسي مثلما نراه في الملف الأوكراني.
سيستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الاثنين الرئيس فولوديمير زيلينسكي في الرياض، حيث ستجري محادثات بين مسؤولين من واشنطن وكييف حول إطار عمل للسلام لإنهاء الحرب.
وسيكون هذا أول اجتماع رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا منذ المشادة الكلامية الحادة بين زيلينسكي والرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي بداية هذا الشهر.
وتأتي هذه المحادثات بعد أسابيع فقط من استضافة الرياض لكبار المسؤولين الأمريكيين والروس في أوسع مشاركة لهم منذ بدء الحرب الروسية في فبراير/شباط 2022. وكأحد جهود إذابة الجليد الدبلوماسي بين الخصمين التاريخيين، حيث اتفقت واشنطن وموسكو على العمل معًا لإنهاء النزاع.
فكيف وضعت المملكة نفسها كوسيط في الدبلوماسية الدولية؟
قوة النفط الخام
تقدم دبلوماسية النفط تفسيرًا جزئيًا لذلك. فإلى جانب الولايات المتحدة وروسيا، تعد السعودية أحد المنتجين المهيمنين على سوق النفط الخام في العالم.
وكانت الرياض في طليعة الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه الدول الثماني الأعضاء في منظمة أوبك+ للبدء في زيادة إنتاج النفط الخام اعتبارًا من أبريل 2025، وهي خطوة ساهمت في انخفاض الأسعار هذا الأسبوع – ولبت طلبًا من مطالب ترامب.
في 24 يناير، رأى الرئيس الجمهوري أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بأن خفض أسعار النفط قد يؤدي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، وقال إنه سيطلب من السعودية ودول أوبك الأخرى التحرك بهذا الشأن.
“وأضاف ترامب: “في الوقت الحالي الأسعارمرتفعة بما فيه الكفاية لتستمر تلك الحرب. “يجب خفض سعر النفط وإنهاء الحرب.”
تتألف منظمة أوبك+ من الدول المنتجة والمصدرة للنفط وهي السعودية وروسيا والعراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وكازاخستان والجزائر وعمان.
يقول رافاييل ماركيتي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لويز في روما، إنه بالنظر إلى أن روسيا كانت جزءًا من قرار زيادة الإنتاج، فمن الصعب أن نتخيل أن موسكو تتوقع أن يضر انخفاض سعر النفط بمصالحها.
وقال ليورونيوز: “من التبسيط المفرط التفكير في تكلفة المواد الخام كوسيلة ضغط لإضعاف روسيا”.
“نحن أمام انخراط سعودي روسي أمريكي في مسار يهدف لإيجاد توازن عالمي جديد من خلال سلعة مشتركة (أي النفط) تدخل ضمن المجال الحصري لتلك الدول واستخدامها لتحقيق أهداف سياسية أوسع”.
إنفاق كبير على الأمن
تلعب السعودية دورا محوريا في الشرق الأوسط، بدءا من صناعة القرار إلى إعادة الإعمار في كل من غزة ولبنان وسوريا في مرحلة ما بعد الحرب ووصولا إلى احتواء إيران ووكلائها.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعرض النظام الملكي السعودي لتهديدات كادت أن تزعزع استقراره بسبب الإرهاب الأصولي الإسلامي – بقيادة أسامة بن لادن – الذي بلغ ذروته في أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. ومنذ ذلك الحين، استثمرت السعودية بشكل كبير في سياساتها الأمنية، وفي إبراز قوتها المتصاعدة على المستوى الخارجي.
لكن مع الغزو الأمريكي للعراق، وفشل عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين المنبثقة عن اتفاقات أوسلو والحرب الأهلية المدمرة في سوريا، تنامت مكانة السعودية بشكل مطرد، وأصبحت الرياض القوة الوحيدة في المنطقة القادرة على مقارعة إسرائيل وإيران وتركيا.
“يقول إيف أوبان دو لا ميسوزييه، سفير فرنسا السابق في تونس والخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “أدى التطور العالمي للعالم العربي إلى تحول مركز الثقل من مصر وسوريا والعراق إلى دول الخليج.”
ويضيف: “لدى السعودية لديها كل عوامل القوة مثل ثقلها الاقتصادي، ومساحتها الشاسعة، وعدد السكان المقدر ب30 مليون نسمة، ولها أيضا الزعامة الدينية على المجتمع السني في العالم”.
أعلنت الرياض الشهر الماضي أنها ستزيد من إنفاقها الدفاعي إلى ما يقرب من 75 مليار يورو هذا العام، بزيادة حوالي 3 مليارات يورو عن نفقات العام الماضي.
وتضع هذه الميزانية الإنفاق العسكري للسعودية عند نسبة 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعلها واحدة من أكبر خمس دول من حيث الإنفاق الدفاعي النسبي والمطلق.
اعتراف دولي دائم
وما جعل السعودية تلعب دور الوسيط في النزاع الروسي الأوكراني هو ذاك التوازن الطويل الأمد الذي تتمتع به منذ فترة طويلة والذي سمح لها بإنشاء علاقات قوية مع مختلف التكتلات بدءا من مجلس التعاون الخليجي إلى دول البريكس، إضافة إلى حلفاء رئيسيين مثل الولايات المتحدة.
يقول لويجي ناربوني، الذي كان سفيرًا ورئيسًا لبعثة الاتحاد الأوروبي لدى الرياض وسفيرًا غير مقيم للاتحاد الأوروبي لدى قطر وعمان والبحرين والإمارات والكويت: “بالنسبة لأي بلد، فإن استضافة محادثات دولية مهمة تحمل ضمنا في طياتها قيمة سياسية مضافة، كما دأبت عليه سويسرا مثلا”.
ويضيف: “يجب ألا نقلل من شأن هذا العنصر الرمزي (وهو استضافة الرياض للمحادثات). فمن الواضح أن السعودية تبحث عن اعتراف دولي نهائي ودائم”.
وبالفعل، فإن شبكة العلاقات الثنائية التي تتمتع بها المملكة تجعلها خياراً جذاباً عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية العالمية، وفقاً لمايكل هاريس، المحلل من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) – وهو مركز أبحاث مقره المملكة المتحدة.
يقول هاريس:** لقد اجتمعتا (الولايات المتحدة وروسيا) في السعودية لأنه علينا أن نسأل: كم عدد الدول التي ستشعر بالارتياح لو أنها كانت هي التي تستضيف تلك المباحثات؟
“كما أن ترامب بحاجة لإشراك السعوديين على أي حال. إذ من السابق لأوانه أن يزور أي مسؤول أمريكي روسيا. وقد يكون الأمر نفسه فيما بالنسبة لروسيا حتى تذهب إلى أي مكان في أوروبا من أجل لقاء مسؤول أمريكي”.
تحافظ السعودية على علاقة ودية مع روسيا على الرغم من خصومتها مع إيران، وهي في ذات الوقت، رمز للاستقرار في الشرق الأوسط الممزق والمنكوب بالأزمات والصراعات.
القضية الفلسطينية
ترغب واشنطن في أن توقع الرياض على ما يسمى بـ “اتفاقات إبراهيم” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فقد كان أهم إنجاز لترامب في السياسة الخارجية خلال فترة ولايته الأولى هو رعاية توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2020 والمعروفة باتفاقيات أبراهام.
لكن السعودية ترفض التوقيع على تلك الاتفاقات دون إقامة دولة فلسطينية.
وقال دي لا ميسوزيير: “من حيث المبدأ، لدى الأمير الشاب محمد بن سلمان نهج سياسي براغماتي، لكن الملك سلمان آل سعود الحاكم الرسمي البالغ من العمر 89 عامًا، لديه حساسية شديدة تجاه القضية الفلسطينية، لأسباب دينية خاصة”.
والأكثر من ذلك، وعلى الرغم من طابعه الملكي الاستبدادي، فإن النظام السعودي يحاذر أي رد فعل عنيف أو تحريض من مواطنيه عندما يتعلق الأمر بالقرارات السياسية الكبرى.
وأضاف دو لا ميسوزيير: “إن لدى الشعب السعودي الذي معظمه من الشباب حساسية شديدة تجاه القضية الفلسطينية”.