رغم أن تركيا بلد يتمتع بتنوع ثقافي كبير حيث تعايش فيها العديد من الأعراق والأديان والقوميات منذ مئات السنين، إلا أنها تكاد لا تصمد خلال الآونة الأخيرة أمام موجة كبيرة من العنصرية والكراهية خاصة ضد اللاجئين السوريين والعرب.
وترافقت هذه الموجة العنصرية غير المسبوقة بتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي للأتراك، وحملات المعارضة التركية التحريضية ضد العرب والسوريين، خاصة خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما حملته من وعود انتخابية بترحيل السوريين.
وكان آلاف المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا مقاطع فيديو وصور تبرز تعرض سياح ومقيمين عرب ولاجئين سوريين لحوادث اعتداء نفذها عشرات الأتراك بدوافع مختلفة.
دوافع اقتصادية
ووفقاً لمحللين وخبراء تحدثت معهم أورينت نت، فإن شريحة واسعة من الأتراك تحمّل اللاجئين السوريين مسؤولية تدهور الاقتصاد وتراجع المستوى المعيشي في البلاد.
ويرى المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، أن هناك حالة من عدم الوعي الكافي لدى قسم كبير من الأتراك إزاء فكرة أن لا علاقة لتراجع الاقتصاد باللاجئين، مضيفاً: “لا بل على العكس قد يكون لهم دور إيجابي في التنمية الاقتصادية”.
ورأى حافظ أوغلو أن الاجراءات الحكومية الأخيرة تجاه عدد من المحرضين كانت جيدة حيث تم تنفيذ حملة اعتقال ضد المحرضين وناشري الأخبار الكاذبة، لكنه اعتبر أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، وذلك لأنها لم تطل كبار المحرضين مثل زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ.
رواسب اجتماعية وثقافية
وقال حافظ أوغلو إن هناك رواسب اجتماعية وثقافية تتناقل عبر الأجيال بحيث لا يمكن محوها تماماً، إلا أن الحكومة تسعى لضبط موجة العنصرية هذه مع اقتراب الانتخابات البلدية العام المقبل، وذلك مخافة أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول إلى حرب أهلية.
من ناحيته، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة إسطنبول، علي بلقاني أن الدولة الوطنية ومفاهيمها خلقت مجتمعات متباينة ثقافية ونفسياً فضلاً عن التصورات النمطية المسبقة لدى كلا المجتمعين العربي والتركي تجاه بعضهما.
تحريض المعارضة
واعتبر بلقاني في حديث مع أورينت نت أن المعارضة التركية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام في البلاد وتضخيم العنصرية ضد اللاجئين عبر نشر الأخبار السلبية وتعميق مشاعر الخوف إزاء هؤلاء “الأجانب الدخلاء الغرباء المتحرشين”.
ويوضح أن الأحزاب اليمينية تلعب على هذه القضية بشكل مباشر من خلال استخدام عنصريين وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار المضللة .
وأشار إلى أهمية التوعية في هذا المضمار، وضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأمر على مختلف الصعد.
تأثير اللجوء
ويذهب رأي آخر للقول بأن سياسات الحكومة لها دور في انتشار العنصرية ضد اللاجئين، عبر قلة الخبرة في التعامل مع مشاكلهم وطريقة احتوائهم ووجود قصور في بعض التشريعات المتعلقة بالهجرة.
وحول ذلك، تقول أستاذة العلاقات الدولية، نورجان أوغور، إن تركيا حاولت عبر رئاسة الهجرة احتواء مشاكل اللاجئين عبر تشجيع التعاطف والترحيب والانفتاح إلا أن ذلك قوبل برفض من قبل شريحة واسعة مناوئة للحكومة وسياساتها.
كما أشارت في حديث مع أورينت نت إلى أن طريقة توزع اللاجئين في الولايات التركية وقبولهم العمل بأجور منخفضة جعلهم ينافسون العمالة المحلية، وفاقم من المشاكل المرتبطة بالإيجارات والبطالة وغيرها لدى الأتراك.
العنصرية تجاه السوريين والعرب
والشهر الماضي، أطلق صحفيون أتراك حملة ضد العنصرية والتمييز تحت شعار “نحن أمة واحدة”، بمشاركة سياسيين منهم ياسين أقطاي المستشار السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وجاءت الحملة بعد اعتقال 27 شخصاً في عمليات متزامنة، استهدفت مديري حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي “يحرضون على الكراهية والعداء”، حسب ما أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا.
كما تأتي بعد عدة حوادث اعتداء على سوريين وسياح عرب في تركيا، وما تبعها من حملات كراهية كان مسرحها وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنذ عدة أعوام، لعب قادة المعارضة في تركيا على وتر اللاجئين والأجانب في البلاد، حتى إن الكثير منهم أقحم هذه القضية على رأس الحملات الانتخابية الأخيرة، من بينهم زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس حزب النصر المتطرف أوميت أوزداغ.