في جعبة جومانا شرف الدين العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي كانت أدوار البطولة فيها بشكل شبه دائم من نصيبها، وهي ابنة الممثل والكاتب والمخرج اللبناني الراحل فؤاد شرف الدين. لم تتحول جومانا إلى بطلة مسلسلات وأفلام بين ليلة وضحاها، بل تدرجت خطوة خطوة لتصل إلى أدوار البطولة، بعد أن عملت ملاحظة سيناريو ثم مساعدة مخرج مع عدد من المخرجين السينمائيين اللبنانيين، لتعمل لاحقاً مساعدة مخرج في فيلم “Little Drummer”.
دراستها
درست جومانا شرف الدين الإخراج في كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية بهدف صقل موهبتها التمثيلية، قبل أن تسافر إلى العاصمة الفرنسية لدراسة التمثيل. بعد عودتها إلى لبنان نالت شهادة الإعلام وتابعت عملها كمساعدة مخرج. وقع اختيار الأديبة جنفياف عطالله على جومانا لبطولة مسلسل “المحطة الأولى” ومسلسل “موعود بعيونك”، لتكر السبحة بعدها وتشارك جومانا في الكثير من المسلسلات والأفلام بأدوار البطولة. وبالتالي لم يكن والدها فؤاد شرف الدين أو عمها المخرج يوسف شرف الدين من وضعها على سكة التمثيل. هي لم تشارك إلا في عملين فقط من إخراج والدها، وعملين مع والدتها، وقد عملت تحت إشراف المخرجين جورج غياض وباسم نصر ورفيق حجار، وحسام الدين مصطفى في مصر، وغيرهم.
في المسلسلات والافلام
على صعيد المسلسلات تألقت جومانا شرف الدين في “على دروب الوفاء” ثم في “العصفورة”، “الضحية”، “شارع الطرب”، “السهام الجارحة” وسواها. وسينمائياً برزت جومانا شرف الدين في فيلم “فتيات الرقم الصعب”، “المحترف والأشباح”، “إيفانوفا” و”الصرخة”. الجدير ذكره أن جومانا هي الممثلة العربية الوحيدة التي ظهرت على غلاف مجلة Week End الفرنسية في عددها المئة عام 1989، وحمل الغلاف عنوان Joumana Parfum De Guerre.
في الأفلام التلفزيونية اشتهرت جومانا شرف الدين في بطولة “لقاء والقدر”، “عيون ثريا”، “أكشن”، “مسافرة إلى المجهول” وغيرها من الأفلام. أوصلها نجاحها لتشارك في مسلسلات مصرية عديدة نذكر منها “أم العروسة”، “عصر الأئمة”، “إلى أن نلتقي” و”الشمس تشرق دائماً” و”فرح العمدة”.
هل اعتنقت الديانة المسيحية؟
عام 2016 قرأنا خبراً يفيد أن جومانا شرف الدين اعتنقت الديانة المسيحية علماً أنها من الطائفة الشيعية، لا نستغرب ذلك لأننا نعلم أنها نشأت في منزل متنوع المذاهب، فجدتها مارونية وكانت تنوي أن تكون راهبة، ووالدتها أرمنية كانت أيضاً ترغب في أن تكون راهبة، قبل أن تتعرّف إلى فؤاد شرف الدين الذي نال سر المعمودية لدى الموارنة، مع العلم أن عائلة شرف الدين هي من السادة الذين يعود نسبهم إلى الرسول.
نشأت العائلة المكونة من ثلاث بنات في منطقة عين الرمانة ثم انتقلت إلى بزمار وكان مكتب والدها في جونيه. درست جومانا في مدرسة شبان الرحمة ثم في مدرسة مار الياس بطينا. بفضل والدها لم تنشأ على التفرقة بين الأديان والمذاهب. حين انتهت من المرحلة الدراسية الثانوية وصارت على أبواب الدراسة الجامعية، بدأت تطرح على والدها أسئلة مثل “لماذا نحن على الهوية مسلمون وسلوكنا الديني مسيحي؟” كان جواب الوالد “أنا تركت الخيار لكنَّ في الممارسة الدينية التي ترغبنَّ بها”.
تروي جومانا: “حين قررنا أن ننال سر المعمودية كنا نمر في كل مرة بظرف معين. اندلعت الحرب في لبنان ومرضت والدتي التي توفيت منذ 16 عاماً، ثم عملنا في مصر. كنت أقصد الأم تريز في دير مار الياس في جعيتا، وأبلغها بأن شقيقتَي وأنا نريد أن ننال سر المعمودية، وكانت تجيبني بأنه لم يحن الوقت بعد، لأن الأمر يتطلب طقوساً معينة ومراحل يفترض المرور بها. هذه هي طبيعة الصلاة في بيتنا”.
بعد أن توفت والدة جومانا، سكنت العائلة لفترة في أنطلياس. وكانت ترتاد كنيسة مار الياس بشكل دائم. وكان الناس يسألون جومانا “لماذا تثابرين على الصلاة في كنيسة؟ كانت تجيب “أنا أصلّي في الكنيسة لأني هكذا نشأت وهكذا تعودت”. حتى في المدرسة كانوا يختارون جومانا لتؤدي بدور “الملاك” الذي يمشي في مراسم المناولة الأولى، كان والدها يقول لهم “إبنتي مسلمة على الهوية”، فكانوا يجيبونه بأنهم لم يجدوا فتاة تؤدي دور “الملاك” إلا جومانا.
اعتمدت جومانا شرف الدين منذ البداية سلوكاً مسيحياً. بوجود والدها كانت لديها الحرية الكاملة في ممارسة الشعائر المسيحية التي اختارتها. كان فؤاد شرف الدين الأكبر سناً بين أشقائه، ولم يكن لأحد القدرة على فرض أي رأي عليه.
ترى جومانا أن “موضوع ممارسة الشعائر الدينية المسيحية ليس هو موضوعها، بل هو موضوع الحالة الطائفية في لبنان التي تعمقت بعد اندلاع الحرب اللبنانية. الشعب متروك يتخبط في هذه الحالة بينما الطبقة السياسية لا تتأثر بها، إذ نراهم يجتمعون ويتسامرون مع بعضهم البعض بشكل طبيعي، فيما الناس يختلفون في ما بينهم. في بيتنا كان الحديث في السياسة خط أحمر، وكذلك تناول التفرقة بين الأديان والمذاهب”.
أكثر من عشرين ألف ساعة تلفزيونية وسينمائية
حتى في الأعمال التي أخرجها والدها، حاول فؤاد شرف الدين بث هذه الرسالة، وقد عكس ذلك في آخر فيلم له “صرخة الأبرياء”. وتفيد جومانا في هذا الصدد أن هذا الفيلم لم يتم عرضه لغاية اليوم، لأنه يضيء على أن ما جرى في لبنان لم يكن صنيع اللبنانيين بل كان حرب الآخرين على أرضنا.
أكثر من عشرين ألف ساعة تلفزيونية وسينمائية أنجزت جومانا شرف الدين خلال مسيرتها الفنية، وهي للأسف تقبع اليوم في المنزل. ورغم أن لكل عمر أدواره الدرامية، لا يستعين بها أحد من المخرجين والكتّاب، ولديها عتب كبير عليهم، وتقول “في مصر يستعينون بالممثل والممثلة المتقدمين في السن إذ يجدون لهم أدواراً فيَلقون التقدير والاحترام. في لبنان لا يتم إنتاج إلا عدد قليل جداً من المسلسلات، وبالتالي لا يمكن أن تستوعب الممثلات المخضرمات”.
ولأنها تعتبر أن لا مكان لها في الأعمال الفنية في لبنان، تجمع جومانا مسيرتها لتغادر نهائياً إلى خارج لبنان. تبدي أسفها على تجاهل الوسط الفني للعديد من كبار الفنانين اللبنانيين الذين أسسوا الحياة الفنية المتنوعة في لبنان، فيما الفنانون الناشئون يسيطرون على الساحة.
