بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
أظهرت دراسة حديثة قام بها فريق دولي من علماء الآثار أن معبد الكرنك، أحد أعظم المعابد المصرية وأكبر المجمعات الدينية في العالم القديم، قد بُني في موقع يرتبط بشكل مباشر بتغيرات نهر النيل وأساطير الخلق المصرية.
وتشير النتائج إلى أن اختيار الموقع لم يكن عشوائيًا، بل جاء ليجسد معتقدات المصريين القدماء ويجعل من المعبد مركزًا روحيًا وثقافيًا.
الموقع قبل آلاف السنين
بحسب الدراسة المنشورة في مجلة Antiquity، كان موقع معبد الكرنك يغمره نهر النيل قبل عام 2520 قبل الميلاد، ما جعله غير صالح للسكن أو البناء. ومع مرور الزمن، انقسم النهر إلى عدة مجاري، مكوّنًا جزيرة طبيعية شكلت أساسًا للبناء الآمن وتوسيع المعبد لاحقًا.
وقال بن بينينغتون، المؤلف الرئيسي للدراسة وزميل في علم الآثار الجيولوجي بجامعة ساوثهامبتون: “توفر هذه الدراسة صورة دقيقة لتطور معبد الكرنك، من جزيرة صغيرة إلى أحد أبرز الصروح الدينية في مصر القديمة.”
البحث العلمي يربط بين الجغرافيا والتاريخ
حلّل الباحثون 61 عينة رسوبية من الموقع وحوله، بالإضافة إلى دراسة عشرات الآلاف من شظايا الفخار، لتحديد كيف تغير المشهد الطبيعي عبر القرون. وأظهرت النتائج أن أولى الاستيطانات البشرية على الموقع تعود إلى الفترة بين عامي 2305 و1980 قبل الميلاد.
وأوضح دومينيك باركر، أحد المشاركين في الدراسة: “شكلت مجاري النهر المحيطة طريقة تطور البناء في الموقع.. كما ساهم المصريون القدماء في تعديل مجرى النهر عن طريق رمي الرمال الصحراوية لتوفير أرض جديدة للبناء.”
الأسطورة تتحقق على أرض الواقع
أحد أهم الاكتشافات هو الربط بين موقع المعبد وأسطورة الخلق المصرية، التي تصف ظهور التل الأولي من مياه الفوضى. ويعتقد الباحثون أن النخبة في طيبة اختارت موقع الكرنك لمعبد رع آمون، لأنه يجسد مشهدًا كونيًا يدمج الأرض المرتفعة والمياه المحيطة، تمامًا كما تصفه الأسطورة.
وأشار بينينغتون:”النصوص المصرية في المملكة الوسطى تصف التل الأولي وهو يرتفع من ‘مياه الفوضى’. ومع انحسار الفيضان السنوي، بدا التل وكأنه ينهض من المياه، وهو المشهد الذي اختار المصريون القدماء تجسيده في الكرنك.”
الكرنك بين الهندسة والدين
يُعد معبد الكرنك شاهدًا على براعة المصريين القدماء في الجمع بين المعرفة الجيولوجية والهندسة والدين. وتوضح الدراسة أن الموقع لم يُختَر صدفة، بل كان اختيارًا واعيًا بمعتقداتهم الدينية، ليصبح أحد أكبر المجمعات الدينية والثقافية في مصر القديمة.
وقال كريستيان سترات، المؤلف المشارك: “لقد كان عمر الكرنك موضوع جدل طويل، لكن أدلتنا الجديدة توفر إطارًا زمنيًا واضحًا لبداية الاستيطان والبناء، ما يساعد في فهم تاريخ هذا الصرح العظيم.”