بقلم: يورونيوز
نشرت في
لا تزال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي تلاحق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته المرتقبة إلى البيت الأبيض، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب غدًا، لبحث ملفات إقليمية ساخنة، يأتي في مقدمتها صفقة شراء طائرات إف-35 وربما مسألة التطبيع مع إسرائيل.
غير أن شبح خاشقجي – الذي قُتل قبل سنوات – ما زال يخيم على المشهد، خاصة بعد الكشف عن أن زوجته، حنان العطر، تستعد لمواجهة الأمير محمد في واشنطن، حيث تنوي المطالبة باعتذار رسمي منه، واستعادة رفات زوجها، والحصول على تعويض مالي عن جريمة القتل التي وقعت داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018، والتي اتُهم بن سلمان بالوقوف وراءها، على الرغم من نفيّه المتكرر.
واشنطن تغيّر موقفها
بعد الحادثة التي أثارت استياء دوليًا كبيرًا، قال جو بايدن – الذي كان مرشحًا رئاسيًا آنذاك – إن على الولايات المتحدة أن تجعل من السعودية “دولة منبوذة”، إلا أن واشنطن تجاوزت ذلك، مدفوعة بمغريات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا.
ويختلف المحللون في تقييم الزيارة، إذ تنقل وكالة “رويترز” عن دوغلاس إيه. سليمان، رئيس معهد دول الخليج العربية في واشنطن، قوله: “إن خاشقجي لم يُنسَ تمامًا، لكن هل ينبغي أن تُبنى العلاقة بين دولتين مهمتين على حادث واحد فقط؟ أم يجب أخذ المصلحة العليا للولايات المتحدة أو السعودية في الحسبان للمضي قدمًا؟”
فمع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عاد الدفء القائم على المصالح المتبادلة بين الدولتين: تعهدات استثمارية سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وإشادة مبالغ فيها، ومصلحة مشتركة في إبرام اتفاق دفاعي.
تحد إعلامي
مع ذلك، فقد يكون أمام بن سلمان تحدٍ إعلامي، إذ قالت العطر – الزوجة الثالثة للصحفي الناقد للنظام السعودي، الذي كان يعمل في صحيفة “واشنطن بوست” – في تصريحات لها: “أنا على يقين من أن بن سلمان سيستجيب لمطالبي إذا ما تولى السياسيون الأمريكيون المبادرة، وتحدثوا معه بصراحة”.
وأضافت: “لقد تحمّل المسؤولية عن مقتل جمال خلال مقابلة له مع برنامج ’60 دقيقة’ عام 2019″، مشيرة إلى أنه رغم نفيه إصدار أمر بالقتل، إلا أنه أكد تحمله “المسؤولية الكاملة” كقائد للبلاد.
يذكر أن النيابة العامة السعودية قد أسندت الواقعة إلى مجموعة من العملاء السعوديين الخارجين عن القانون، حيث تمت محاكمتهم وإدانتهم لاحقًا بقتل خاشقجي.
وتدفع السلطات السعودية تعويضات شهرية لأبناء خاشقجي الأربعة، تقدر بعشرة آلاف دولار لكل منهم، إلى جانب توفير مسكن لهم، وفقًا لـ”واشنطن بوست”.
بالمقابل، تؤكد العطّر – التي لم تتلقَ أي تعويضات – أنها احتُجزت في دبي بعد مقتله، حيث كانت تعمل في إحدى شركات الطيران، قبل أن تهرب إلى الولايات المتحدة وتحصل على حق اللجوء السياسي. لكنها فوجئت بمنعها من دخول الشقة التي كانت تشاركها مع خاشقجي في الإسكندرية.
كما كشفت تقارير عن وجود برامج تجسس على هاتفها، وفقًا لتحليل جنائي أجرته شركة “Citizen Lab” الكندية للأبحاث، وهي تفاصيل يمكن أن تضع ولي العهد في موقف محرج إذا ما جرت مواجهة مع العطّر علنًا.
بن سلمان يسعى لإعادة تقديم نفسه
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن الرياض تدرك أهمية الزيارة بعد سبع سنوات، وأن الحاكم الشاب يسعى لإعادة تقديم نفسه للمجتمع الدولي كوسيط سلام، يعمل على إصلاح العلاقات مع إيران، ويدفع نحو هدنة في غزة، ويحتضن سوريا مجددًا في الصف العربي، ويروّج للرياض كعاصمة للثقافة والحضارة في الشرق الأوسط. ولكنه قبل ذلك كله، خفف من جميع القيود التي يمكن أن تؤثر على صورة السعودية وتُبرزها كدولة متشددة.
وكانت تقارير نشرتها صحيفة “صنداي تايمز” قد كشفت أن بن سلمان – بعد اغتيال خاشقجي – عيّن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مستشارًا له، واستفاد من “معهد بلير” الذي يشارك – بحسب مصادر – في برنامج “رؤية المملكة 2030”.
فقد حيّد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تُهاب سابقًا، وقلّص نفوذ رجال الدين، وأطاح بعقود من القواعد الاجتماعية الصارمة، حيث باتت النساء اليوم يقدن السيارات ويعملن ويختلطن بحرية بالرجال.
وأعفى النساء من إلزامية ارتداء العباية السوداء والحجاب، كما باتت حفلات البوب وعروض الأزياء تضيء سماء الرياض. في المقابل، تقول “رويترز” إن اليد ذاتها التي فتحت المجتمع السعودي، شدّت قبضتها على السلطة، وسحقت المعارضة، وأسكتت المنتقدين، وفككت مراكز القوى المنافسة واحتجزت رموزها.
هل ينضم إلى اتفاقيات التطبيع؟
أما بالنسبة للتطبيع، فيرى مراقبون أنه رغم استبعاد الرياض توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل حاليًا، فإن ترامب يعوّل على إقناعها بذلك بعد نجاحه في وقف إطلاق النار بغزة.
ففي وقت سابق، أكد ترامب أن الرياض لم تكن لتبادر إلى التطبيع خلال الحرب الإسرائيلية على غزة بسبب شعورها بالإحراج، لكن مع وقف إطلاق النار، بات بإمكانها ذلك.
ومع ذلك، قال علي شهابي، المحلل السعودي المقرب من البلاط الملكي، إن إقامة علاقات رسمية بين البلدين تبدو “مستحيلة عمليًا” بحلول نهاية العام “ما لم تحدث معجزة في إسرائيل”.

